«شهبندر تجار السعادة» مات حزيناً تطارده الديون والضرائب
لم يضحكنا فنان فى حياته أو بعد موته مثلما أضحكنا إسماعيل ياسين، فهو الضحاك الأول والأخير، وهو الفنان الذى يستحق أن يعتلى عرش «شهبندر تجار السعادة» فى السينما والمسرح فى القرن العشرين فى مصر والعالم العربى، و«ملك ملوك الضحك والفكاهة».
إسماعيل ياسين الذى تحل ذكرى رحيله هذه الأيام، توفى فى 24 مايو 1972، مازال ساكنا فى القلوب وشاغلا للوجدان وصانعا للبهجة والفرح والضحك للكبار والأطفال حتى وقتنا هذا، لكن من أضحك أجيالا كثيرة منذ الثلاثينيات وحتى اليوم وأظن أنه سيستمر إلى وقت بعيد، مات حزينا، بعد أن تراكمت عليه الديون. ورغم الشهرة والنجومية لهذا الفنان وقيمته لم يحصل على التقدير والتكريم اللازم من الدولة، وغاب عن أجهزة الدولة منذ الخمسينيات وحتى السبعينيات منحه جائزة الدولة التقديرية أو التشجيعية فى الفنون، تقديراً لإبداعه!
وفى ذكراه الـ44 نستعيد سيرته الضاحكة الباكية ونستريح قليلا على ضفاف ضحكته المعروفة.. وفى الذكرى نطالب الرئيس ووزير الثقافة بتقدير وتكريم هذا الفنان المبدع الأسطورى، ومنحه وساما أو جائزة الدولة التقديرية للفنون بأثر رجعى.
إسماعيل ياسين «1912-1972» هو الفنان الوحيد فى تاريخ السينما المصرية الذى تصدر اسمه عناوين أكثر من 17 فيلماً من بين 400 عمل سينمائى قام ببطولتها أو شارك فيها طوال مشواره الفنى الضخم، إضافة إلى 300 منولوج و61 مسرحية، وتحمّل المغامرة رغم خطورتها، لأن الجمهور كان يذهب لمشاهدة «سمعة»، والاستمتاع به دون معرفة باقى أبطال أو نجوم الفيلم، فالكل لا يريد سوى «سماعين».
أفلامه حققت أعلى الإيرادات فى تاريخ السينما العربية حتى اليوم بالقياس إلى عدد سكان مصر وقتها، وعدد دور العرض، وثمن تذكرة دخول السينما، ولا تزال تلك الأفلام وبشكل خاص سلسلة إسماعيل ياسين فى الجيش والطيران والبحرية وغيرها هى المادة المفضلة للضحك لدى الكبار والصغار فى مصر والعالم العربى، وعنوان السعادة الحقيقية فإذا كان هناك من الرواد من أسهم فى صياغة تاريخ المسرح الكوميدى فى مصر، فإن إسماعيل ياسين يأتى فى مقدمة هؤلاء الرواد مع تميزه عنهم بالاستمرار والتنوع فى أعماله، على امتداد السنوات من 1935 حتى قرب رحيله عن الدنيا.
لكن الضحكة المميزة له والفكاهة والكوميديا فى أفلامه كانت تتوارى خلفها مأساة فنان رسم البسمة على شفاه الناس بقفشاته وحركاته وأدائه التمثيلى التلقائى. عاش إسماعيل ياسين حياة الفقر والعوز والحاجة، واضطر فى أواخر أيامه إلى أن يعود لأداء المنولوجات فى أحد الكباريهات، من أجل لقمة العيش والقوت اليومى. تعرّض لتجاهل ونكران مخجل وقسوة من الأصحاب والأصدقاء فى أواخر أيامه حتى أجبر على بيع كل ما يملك وطاردته الضرائب، وتراكمت عليه الديون واضطر إلى حل فرقته المسرحية عام 1966، ثم سافر إلى لبنان وعمل فى بعض الأفلام القصيرة منها «فرسان الغرام، وكرم الهوى، ولقاء الغرباء، وعصابة النساء»، ثم عاد فقيراً إلى مصر محطماً كسيراً يستجدى أمجاد الماضى وعمل فى أدوار صغيرة لا تتناسب مع تاريخه الحافل، ولم يرحمه أو يقدر تاريخه الفنى أحد. وكانت ذروة المأساة عندما خصص له الرئيس السادات معاشاً استثنائياً 100 جنيه شهرياً.
سيرة إسماعيل ياسين رصدها باحترافية شديدة مسلسل «إسماعيل ياسين.. أبوضحكة جنان» الرائع الذى قدمته عدد من الفضائيات فى رمضان عام 2009. أعاد المسلسل اكتشاف النجم الراحل من جديد، فالعديد من الأجيال لم تعاصره ولم تشاهده إلا فى أفلام الأبيض والأسود ولم تقف على حقيقة ما جرى له إلا من خلال المسلسل الذى كتبه المؤلف أحمد أبوالسعود الإبيارى، بالمشاركة مع ياسين إسماعيل ياسين قبل رحيله، وأخرجه المتميز محمد عبدالعزيز، وأدى دوره بإبداع وإتقان الفنان الرائع أشرف عبدالباقى.
كل ما نطلبه فى ذكرى رحيله هو التكريم الرسمى المستحق لهذا الفنان الذى كان ومازال أحد مظاهر القوة الناعمة لمصر فى الخارج.. فهل هذا طلب صعب؟!