اعتاد المفكرون منذ ـن كان التفكير على أن القوانين والأشياء أمران منفصلان، تعمل القوانين فى الأشياء، وتخضع الأشياء للقوانين.
وعلى أن الأشياء توجد أولاً، ثم تلحق بها صفات وخواص تحددها القوانين التى تعمل فيها وأن الصفات قد تتغير أو تنعدم ولكن الأشياء تبقى موجودة.
وهذا تفكير طبيعى شائع بين العلماء والمفكرين، وقد ساعد على تحليل الكثير من الظواهر تحليلاً تفهم به الأشياء وقوانينها. وهو عام عند الطبيعيين والعقليين ورجال الدين أيضا، وكلهم سواء فى إيمانهم به، إلا أن الطبيعيين والكيميائيين القدماء أدى بهم هذا الضرب من التفكير إلى نظرية تعرف "نظرية الجوهر الواحد" الذى تلحق به الصفات المختلفة فتتكون منها المواد العديدة التى نعرفها نحن العامة.
وقال الكيميائيون أن الفرق بين الذهب والفضة -على سبيل المثال- أن الذهب حار فى الخارج وبارد فى الداخل، فإذا أخرجنا حرارة الفضة وأدخلنا برودتها وصبغناها صبغاً حقيقياً بالغ الإتقان يشبع فيها كأنه الذهب.
وعلماء الطبيعة الحديثة أيضاً يدينون بهذا المذهب وزادهم به إيماناً "نيوتن" فى تحليلة أن المادة تتغير ولا تنعدم. والنتيجة المنطقية لهذا القانون هو أن هناك أشياء ثابتة وهى المادة وأن تغيراتها تكون فقط من أثر عوامل تلحق بها، كما تلحق الألوان بالأشياء دون أن تغير جوهرها.
ثم انتقل هذا المذهب بشكل واضح إلى علوم الحياة والكل إلا للحياة قانون مستقل يلحق بالمادة فتصبح كائناً حياً. وأصبحت الحياة مجموعة قوانين تعمل فى الأشياء هى الأخرى. ومن هنا جعلوا للكائن الحى جسماً وروحاً. فإذا خرجت الروح من الجسد، فقد الحياة وأصبح ميتاً. وبهذا أخذ الناس يدرسون قوانين الحياة منفصلة عن قوانين الطبيعيات.
ثم انتقل المذهب هذا إلى الإنسانيات فكانت الفرقة بين الجزء النفسى والجزء الحيوانى فى الإنسان. وقسم الناس الصفات الإنسانية إلى معنوية ومادية وحسبوهما منفصلين، وبلغ ذلك غايته عند من يؤمنون بتناسخ الأرواح وهم يرون أن الجسم يبلى لأنه مادى والروح تبقى لتعود يوماً إلى جسم آخر – إنسان أو غير إنسان – يصبح حيا مرة أخرى، وإن كنت لا أعتقد فى هذا المذهب!.
لكن هذا النوع من التفكير لم يعد مستساغاً، ولابد من العدول عنه إن أردنا أن نوحد بين نظم الكائنات الحية كلها، وأن نتقدم إلى الأمام فى فهم الكون وخباياه فهم عميق وحقيقى .
•أستاذ الاقتصاد السياسى والمالية العامة – جامعة القاهرة.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
صفوت الكاشف
وبمراعاة أن هناك أبعادا أخرى كثيرة لما أقول :