اعتذار صحيفة الجارديان البريطانية عن موضوعات مراسلها السابق بالقاهرة، جوزيف مايتون، يثير الأسئلة، أمر غير مسبوق، خاصة والصحيفة نشرت تقارير كثيرة عن مصر بعيدا عن مراسلها، ثبت خطأ الكثير منها. ولم تكن نقدا أو كشفا بقدر ما كانت موجهة، الجارديان اعتذرت عن تقارير مايتون وحذفت تقارير ومقالات قالت إنها لم تتمكن من إثبات صحتها، الاعتذار عن التقارير منطقى، لكن الاعتذار عن مقالات الرأى غير مفهوم، الرأى من حق صاحبه.
المفارقة أن أغلب أسهم صحيفة الجارديان مملوكة لقطر، وهو أمر يضع استفهاما على الاعتذار، تقارير الجارديان نسخ مهذبة من تقارير قناة الجزيرة، وهو ما يضعها ضمن حملات لا تتعلق بمراسل سابق، وإنما بسياسة مستمرة، ولا تتعلق بالجارديان وحدها، وإنما بالعديد من الوكالات والمواقع التى تظهر فيها رائحة أموال الدوحة، ومنها مواقع تصدر من هنا أو الخارج، ومواقع تعيش على نشر وتشيير هذه التقارير من الجارديان وغيرها، بل وتم اختراع نسخ عربية من مواقع عالمية لهذا الغرض، وهو ما يجعل الجارديان جزءا من منظومة متعددة المهام، تحترف «صناعة الكذب» وهو بالمناسبة اسم فيلم وثائقى أنتجته الجزيرة.
خلال الأشهر الماضية، قدمت مؤسسات كبرى تقارير تشبه التقارير التى اعتذرت عنها الجارديان، حملت قدرا من الفبركة عمدا أو تسرعا، ولم تسلم مواقع مثل بى بى سى، ووكالات كبرى من عدوى تقارير موجهة، بعضها يخلو من مصادر أو بمصادر مجهلة، ومشكوك فيها، خاصة أنها تتعلق بقضايا حساسة، مثل ريجينى أو حادث الطائرة، أو السياسات والعلاقات المصرية الخارجية، رفضت هذه المؤسسات الاعتذار أو التصحيح.
ربما كانت الميزة فى تتابع تقارير ومقالات موجهة، أنها كشفت عن علاقات غير مرئية، تربط وسائل إعلامية مختلفة الجنسية أو مكان الصدور، وتتفق فيما تنشره، وما تترجمه بواباتها بالقاهرة، ومن مميزات مواقع التواصل أنها ساهمت فى كشف التلاعب، والعبث بالتقارير، تحول بعض المراسلين والمذيعين فى مؤسسات كبرى إلى نشطاء يخلطون بين الرأى والخبر، أدوات التواصل نفسها كانت كاشفة لحجم التلاعب، ويبدو السؤال إذا كان محرر واحد بالجارديان قدم مائة موضوع بين تقرير ومقال، فكم عدد التقارير التى قدمتها وسائل أخرى وصنعت بها ولا تزال صورة لمصر تختلف كثيرا عن الواقع وبعضها لا يخلو من مبالغة وظلم. وكذب، وكانت هذه التقارير مصادر لتقارير منظمات وجهات وظفتها فى نفس الاتجاه؟
اعتذار الجارديان مثير للأسئلة، بالنسبة للتوقيت والشخص، وهل الهدف مهنى أم أنه سياسى، مع الأخذ فى الاعتبار أن الجارديان طرف فى تسريبات وثائق بنما، وهى جزء من حرب باردة وليست كشفا استقصائيا كما حاول البعض تسويقها، وبالتالى فالاعتذار ليس سيد الأدلة حتى الآن، و«صناعة الكذب» حرفة ومهنة وسياسة.
أكرم القصاص
"الجارديان" وأخواتها.. وصناعة الكذب.. الاعتذار ليس سيد الأدلة
الأحد، 29 مايو 2016 07:00 ص