لا أخفى عليك أننى ما زلت واقعا تحت تأثير الإبهار المعرفى والتقنى فى سلسلة أفلام «قصة الإله» الوثائقية، التى أنتجتها قناة «ناشيونال جيوجرافيك»، وقام ببطولتها الممثل العالمى مورجان فريمان، فبرغم أن الفيلم تجاهل العديد من المرتكزات المعرفية المهمة، التى أشرت إليها فى مقال أمس، وبرغم أنه منح معتقدات هامشية مساحة لا تستحقها، فى حين أنه اختصر الكثير من التفاصيل المهمة فى بعض المعتقدات الأخرى، لكن هذا فى اعتقادى لم يؤثر على الرسالة المعرفية المبهرة التى قدمها الفيلم، والتى أحسبها من أنضج التجارب العالمية فى تناول مفهوم «الإله» وصورته وخطابه فى الثقافات المختلفة.
لا يجب هنا أن نغفل الإشارة إلى أداء «فريمان»، الذى كان من أكثر العناصر الدرامية إتقانا، ولا أبالغ إذا قلت إن اختياره فى حد ذاته للقيام بهذا الدور كان من أفضل ما حدث لصالح الفيلم، فهو الخبير الهادئ الواثق من ذاته، المتسائل بلا تحاذق، خفيف الدم دون إسفاف، المتواضع تواضع العلماء، والمندهش اندهاش الطفل، والخبير الذى يتدخل لتعديل الحوار أو لإضافة زاوية أخرى للحديث دون أن تشعر، فقد تعامل فريمان مع المشاركين فى الفيلم بجواره، وكأنه فنان قدير على خشبة المسرح، يساند المتعثر، ويدفع المنطلق، ويحد من تهور الأهوج، فخرج الفيلم برغم اشتباكه مع أكثر القضايا الإنسانية تعقيدا، وكأنه سيمفونية موسيقية متجانسة تتصاعد حينا وتهدأ حينا، وأنت فى حالة استمتاع كلما تصاعدت أو هدأت.
لم أسأل نفسى قبل مشاهدة الفيلم عن سبب إنتاجه بهذه الصورة المبهرة، وسبب اختيار هذا الموضوع الشائك، لكنى وجدت الإجابة تتسرب إلى دون أن أسأل بعد انتهائى من مشاهدة أجزاء الفيلم، فقد أصبح الدين أزمة حقيقية يجب أن نستكشف أصولها، ونعيد صياغة مفاهيمها، لكى نعيش فى عالم آمن، ولهذا انطلق الفيلم لبحث أصول فكرة الألوهية فى مختلف الحضارات، وفى السياق نلمح إشارات لصراعات الشرق الأوسط المستعرة، ودون أن يدرى صناع الفيلم، فقد تم تقديم صورتين من صور التطرف الدينى الملتهب، إحداهما إسلامية والأخرى يهودية، ففى إحدى مقابلاته مع أحد الخبراء الإسرائيليين، قال الخبير: إن حلم يهود العالم هو أن يتم بناء الهيكل من جديد بعد أن هدمه الرومان، مشيرا إلى أن الحكومة الإسرائيلية سمحت للمسلمين بالصلاة فى المسجد الأقصى، الذى يدعى أن الهيكل تحته، وهذا يصعب من فكرة إعادة الهيكل التى يعتبرها شرطا لإفشاء السلام فى العالم، لكن صوت «فريمان» يأتى معلقا بأنه بعد ما شاهده فى هذه المنطقة يدرك تماما أن بناء الهيكل لا يعنى السلام، وإنما يعنى حربا عالمية مدمرة، أما داعش فيأتى ذكرها على لسان أحد المتطرفين المسلمين السابقين، الذى أسس جمعية ليبرالية لوقف تجنيد شباب الغرب من قبل المتطرفين، فيصفها بالقول بأنها «جحيم الأرض»، وذلك لأنها تريد فرض «الخلافة» وهدم «روما» أو «أمريكا»، لكن السؤال الذى لم يطرحه الفيلم هو: لماذا يتعامل العالم مع إسرائيل باعتبارها دولة «شرعية»، فى حين أنها تحلم بهدم مقدسات المسلمين والاستيلاء على أرضهم، وفى حين أنه يتعامل مع «داعش» باعتبارها إرهابية برغم تبنيها لنفس الخطاب؟
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
.
ابدا عمر الدين مايكون ازمة حد ولو كان حتى كافر
عدد الردود 0
بواسطة:
صفوت الكاشف
أصل المسألة يبدو لى على النحو التالى :