فى الأوضاع الطبيعية هناك سلطة ومعارضة وأحزاب ورأى عام، السياسة تفاوض، وضغط واتهام وانتقاد، تسفر جميعها فى النهاية عن تفاهم عام لا يقود إلى صدام.
وعندما تتكرر الصدامات، فهذا يعنى أخطاء فى بنية العمل السياسى تتطلب علاجا يواجه هذه التوترات. وهذا كله كلام نظرى، لا يساوى شيئا فى ظل وقوع صدام يهدد بمزيد من الصدامات المتشعبة تنتهى إلى حرائق، كل هذا بسبب الرؤية الضيقة لكل طرف. والتعامل على أن الأمر حرب بين أعداء، وليس حوارا بين أطراف فى معادلة واحدة.
وعليه فإن إقدام طرف أو أطراف من وزارة الداخلية على اتخاذ قرار بدخول نقابة الصحفيين، لتنفيذ قرار القبض على صحفيين، هو تصرف يفتقر إلى أى نوع من التقدير. وكان دخول نقابة الصحفيين للقبض على عمرو بدر ومحمود السقا، مخالفا لكل الأعراف والقواعد التى حكمت علاقة السلطة بالصحفيين.
وهى سابقة لم تحدث طوال 75 عاما، هى عمر نقابة الصحفيين، ولا فى ظل أكثر الأوقات التى كانت فيها العلاقة بين الصحافة والسلطة فى أسوأ أوضاعها. وتتنوع الأوصاف والاتجاهات فى التعامل مع هذا التجاوز لخطوط تم بناؤها على مدى عقود. اتسمت بخيوط رفيعة تمتد بين أطراف العمل النقابى والسياسى. كانت هذه العلاقات دائما قادرة على حفظ العلاقة بين الدولة والصحافة فى توازن واضح.
وحتى فى أشد لحظات التحدى والصدام أثناء أزمة القانون 93 لسنة 1996، وفى وجود نقيب الصحفيين إبراهيم نافع المحسوب على الحكومة لم تصل الأمور إلى صدام. مع ملاحظة أن الجماعة الصحفية كانت وقتها موحدة، تختلف وتتحاور من دون أن تفقد وحدتها وتماسكها. كل هذا تغير، هناك تحولات كثيرة فى شكل وأداء السلطة، والمجتمع الصحفى نفسه أصابه ما أصاب باقى المؤسسات والتشكيلات السياسية والنقابية، غاب الحوار وبدا أن هناك تقسيمات وصدامات وخلافات. ما جرى يكشف عن غياب وتقطيع الخيوط الرفيعة التى تربط كل هذه التفاصيل.
سياسيا هناك خطأ واضح لا يمكن تبريره، أدى إليه قرار خاطئ، نقابيا وصحفيا، الأمر بحاجة إلى استعادة الوحدة والقدرة على التعامل مع الأزمات بشكل موحد، ومن دون الدخول فى اتهامات وصراعات فرعية، ومساندة مجلس النقابة بما يدعمه فى اتخاذ قراره من دون ضغوط أو مزايدات.
والابتعاد عن الآراء التى تدفع نحو حروب أو صدامات لا تفيد. مع أهمية أن يدرك الرأى العام، أن الأمر يتعلق بالقانون واحترام المؤسسات النقابية، وأن الحريات من أجل حق المجتمع فى المعرفة. كل هذا نتاج موت السياسة وغياب آليات الحوار، وتقديم الأصوات على العقول.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة