أكتب هذا المقال بعد ساعات من إلقاء القبض على اثنين من العاملين فى الصحافة داخل مقر نقابة الصحفيين. والحقيقة لن أتناول تفاصيل الحدث والتى قد تتضح خلال ساعات مقبلة تفصل بين توقيت كتابة المقال ونشره، ولكنى فقط أوجه بعض الأسئلة إلى طرفى الأزمة، بناء على البيانات الرسمية الصادرة عن الطرفين منذ عدة ساعات.
أبدأ بالمسؤولين عن الأمن، لماذا عندما وصلت إليكم معلومات بتواجد المطلوبين داخل النقابة، وبعد تأكد «الداخلية» كما جاء فى نص بيانها أن هناك «محاولة للزج بالنقابة فى مواجهة مع أجهزة الأمن، واستغلال ذلك لافتعال أزمة يشارك فيها عدد من العناصر الإثارية، لإحداث حالة من الفوضى»، لماذا لم يتم اللجوء إلى وسائل أخرى للخروج من هذه الأزمة بسلام؟! لماذا لم يتم التواصل مع نقيب الصحفيين؟! وفى حالة فشل النقيب، لا قدر الله، فى إقناع هؤلاء بالخروج من مقر النقابة كان من الممكن أن ينتقل مسؤولو الأمن إلى خطوة تصعيدية بعقد مؤتمر صحفى للمتحدث الإعلامى باسم وزارة الداخلية مثلا لعرض الوقائع على الرأى العام، وانتظار ما قد تسفر عنه ردود الأفعال، وبالتأكيد ساعتها كان الموقف سيتغير تماما، خاصة مع الأخذ فى الاعتبار حالة التوتر السائدة بالفعل ما بين عدد من الصحفيين ووزارة الداخلية منذ الأسبوع الماضى تحديدا؟! ألا يوجد بين مسؤولى الأمن فى مصر من يوجه المشورة السياسية للتعامل مع الملفات الشائكة؟! ألا يوجد صوت عاقل حكيم يتم اللجوء إليه فى أوقات الأزمات؟! لماذا لم تتم دراسة عواقب إجراء إلقاء القبض على نقابيين داخل نقابتهم، وتحديدا هذه النقابة، والتى شهدت توترا ملحوظا فى علاقتها بالأمن منذ عدة أيام؟!
وإن كانت «الداخلية» تعلم كما جاء فى نص بيانها الرسمى رغبة عناصر بعينها فى تصعيد الأزمة، لماذا إذن الإصرار على تمهيد الطريق للتصعيد بدلا من تفويت الفرصة والخروج من الأزمة سالمين، حفاظا على أمن وسلامة المجتمع المصرى، الذى تهدده العديد من الأطراف داخليا وخارجيا؟! لماذا لم يدرك متخذو هذا القرار أنه سيتم استغلاله سياسيا داخليا وخارجيا؟!! ثم ما مدى خطورة هذين المطلوبين من الأساس كى يتم التسرع فى إلقاء القبض عليهما داخل مقر النقابة فى يوم احتفال العالم كله بعيد العمال، وعشية احتفال المصريين بأعياد شم النسيم؟!
أما الطرف الآخر وهو نقابة الصحفيين، أسأل مجلس النقابة الحالى وعلى رأسه النقيب، وهو أستاذ وصديق شخصى أكن له كل الاحترام، لماذا لا يفصح بعض أعضاء مجلس النقابة عن توجهاتهم وانتماءاتهم السياسية، والتى تظهر جلية من آن لآخر، وتحملهم لمسؤولية جر النقابة لمعركة مع بعض مؤسسات الدولة، وعلى رأسها مؤسسة الأمن علانية، وفى الخفاء شخص الرئيس؟! كيف من الممكن أن يتغاضى أعضاء النقابة عن وجود حالة واضحة من التربص من تيارات بعينها داخل النقابة، واستغلال أى خطأ أو تجاوز لمهاجمة الدولة ورئيسها؟! وأكبر دليل على ما أقوله، بغض النظر عن مواقف كثيرة سابقة تؤكد هذا، ما جاء فى نص أول عبارة فيما سمى البيان الأول للصحفيين المعتصمين بالنقابة، والذى تم إرساله للإعلام بعد الواقعة، وبدأ بجملة: «جريمة اقتحام النقابة مسؤولية السيسى»، وأضاف فى الفقرة الثانية: «ويُحمل الصحفيون الرئيس عبدالفتاح السيسى المسؤولية عن هذه الجريمة غير المسبوقة، وهو ما يعد اعتداء غاشما على حرية الصحافة لوقفها عن القيام بدورها فى فضح جرائم النظام، من قتل واعتقال وتعذيب الآلاف من المصريين، وصولا إلى التفريط فى التراب الوطنى ببيع جزيرتى تيران وصنافير»، ويضيف نص البيان: «إن جريمة اليوم التى ارتكبها السيسى ووزير داخليته تتوج ما أكدته تقارير المنظمات المعنية بحرية التعبير والصحافة، بشأن التدهور غير المسبوق لأوضاع الصحافة المصرية فى عهد السيسى. وعلما بأن مصر أصبحت ثانى دولة فى حبس الصحفيين على مستوى العالم فى عام 2015».
قراءة سريعة فى هذا البيان تؤكد أن هناك أطرافا تستغل أى حدث لمهاجمة الرئيس السيسى والترويج الواضح لما تردده منظمات خارجية وداخلية من أكاذيب، وعلى رأسها تصنيف مصر كثانى دولة فى حبس الصحفيين فى العالم!!! هذا العالم الذى لا يضم تركيا بتجاوزاتها، ولا إسرائيل بجرائمها فى حق الصحفيين، ولا إيران بكل تأكيد، أو الصين مثلا، أو غيرها من بلدان يئن فيها الصحفيون من بطش الأنظمة! كيف سمح الصحفيون لهؤلاء بتحويل نقابتهم إلى منبر سياسى يحاول تصفية حسابات أطراف أخرى مع النظام الحالى؟! بكل أسف طرفا هذه الأزمة فى حاجة ماسة للمصارحة والمساءلة، قبل أن يدفع المجتمع المصرى الثمن غاليًا.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
mhb
تحية تقدير