هل هناك صراع حقيقى بين التنظيمات الإرهابية ودول الربيع العربى التى شهدت انقلابات على أنظمة الحكم التى كانت موجودة قبل نهايه 2010، أى قبل نجاح الشعب التونسى فى طرد رئيسه خارج البلاد، وأعقب ذلك العديد من المظاهرات التى أدت إلى سقوط الأنظمة، ثم أعقبه سقوط الدولة نفسها، وهو مصير أغلب دول الربيع العربى، والذى أفضل دائمًا أن أطلق عليه «الربيع العبرى»، لأننى وآخرين اكتشفوا أن دولة العدو الصهيونى، إسرائيل، هى الدولة الوحيدة التى استفادت مما حدث فى دول المنطقة، بالإضافة إلى استفادة التنظيمات الإرهابية، مثل داعش والقاعدة، وبعض التنظيمات الأخرى مثل الإخوان والنصرة، وغيرها من الحركات الإرهابية التى استفادت من «الربيع العبرى».. والحقيقة أننى استمتعت بدراسة علمية حديثة للدكتور مصطفى علوى حملت عنوان «مستقبل الإرهاب: التنافس بين داعش والقاعدة»، حيث كشفت الدراسة العديد من الحقائق التى كنا دائمًا نكتب عنها، خاصة الإجابة عن السؤال الصعب، وهو: لماذا استفادت التنظيمات الإرهابية ومعها إسرائيل بالانهيار الكبير الذى حدث فى المنطقة، والذى أطلق عليه البعض اسم ثورات؟.. والحقيقة أنه لم يخرج ما حدث عن مجرد هوجات عربية، فيما أصفه دائمًا باسم «الربيع العبرى»، لأنه لم يستفد مما حدث سوى العدو الصهيونى.
وبعيدًا عن رؤيتى حول ما إذا كان ما حدث هو ربيع عبرى وليس عربيًا، فإن الدكتور مصطفى علوى حلل بالفعل تأثير ما حدث عن تفشى ظاهرة الإرهاب، حيث تقول الدراسة إنه مع وقوع ثورات الربيع العربى فى أوائل عام 2011، وما تبعه من آثار ونتائج كبيرة وعميقة وخطيرة، ومن أخطرها اهتزاز الدولة ومعاناتها فى العراق وسوريا واليمن وليبيا وتونس ومصر، وبما أدى إلى بداية مرحلة جديدة من مراحل تطور الإرهاب الدولى فى البلاد العربية.. وهذه المرحلة التى نعيشها اليوم هى الأخطر فى تاريخ حركة الإرهاب فى المنطقة العربية، فقد تشكلت مجموعات وتنظيمات إرهابية خطيرة فيها، وأخطر هذا التنظيمات هى حركة أو تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق وبلاد الشام «داعش» و«القاعدة».
أما تأثير ثورات الربيع العربى على حركة الإرهاب فى المنطقة العربية فهو تأثير مركب، فمن ناحية، هناك دول عربية مرت بثورات أو أزمات أو حرب أهلية فى سياق الربيع العربى، وهناك دول عربية لم تمر بذات خبرة الثورات، وإن كانت قد تأثرت بها، ومعنى ذلك أن تأثير الربيع العربى على فرص الحركات والأعمال الإرهابية يختلف من دولة إلى أخرى.
إن تنظيم القاعدة كان وما زال هو أكبر وأخطر التنظيمات الإرهابية الدولية العابرة للحدود.
وفى ثلاث من حالات ثورات الربيع العربى، هى حالات تونس ومصر واليمن، أثبتت الثورات أنه يمكن تحقيق التغيير الثورى الجوهرى من خلال الثورات السلمية، وليس باستخدام العنف، وذلك توجه وفكر وحركة تعاكس نظيرتها المستقرة فى فكر وتنظيم وحركة القاعدة، وذلك يعنى أن دلالات الثورات وانعكاساتها بالنسبة لـ«القاعدة» ليست بالضرورة متجانسة ولا حتى متشابهة، وفى نفس الاتجاه يمكن القول بأن القاعدة لم يكن لها وجود ولا تأثير ولا دور فى الثورات العربية، إنما كانت تراقب الأوضاع عن بعد.
إن سقوط أنظمة بن على فى تونس، ومبارك فى مصر، وتغيير النظام من الداخل فى اليمن هى أمور تمت دون استخدام العنف كوسيلة للتغيير، ومن ثم كان ذلك تحديًا لفكر القاعدة، وحركات الإرهاب عمومًا، ولكن من ناحية أخرى، فإن نظامى بن على فى تونس، ومبارك فى مصر كانا من الأنظمة التى تبنت سياسات فاعلة ضد جماعات وحركات الإرهاب، بما فى ذلك القاعدة، ومن ثم فإن سقوط هذين النظامين كان يعتبر شيئًا جيدًا ورصيدًا إيجابيًا من منظور القاعدة والحركات والجماعات الجهادية، وربما يتعزز ذلك التقدير بالأثر الذى تحدثه حالة الاضطراب وعدم الاستقرار والتحديات الضخمة التى تواجهها دول الربيع العربى فى إطار عملية الانتقال الديمقراطى، وهو ما قد يعطى لحركات وتنظيمات الإرهاب فرصة جيدة للتحرك، واستخدام العنف، وتبنى منهج الإرهاب داخل بلاد الربيع العربى.. وللحديث بقية غدًا إن شاء الله.