على مدار ساعتين دار حديث ودى وصريح مع وزير الإعلام السودانى أحمد بلال، حول العلاقة بين القاهرة والخرطوم، والمنغصات التى تظهر بين الحين والآخر وتقلب الأوضاع رأساً على عقب، وتؤثر على علاقة البلدين التاريخية والشعبية، وأسباب التوترات الدائمة وطرق الحل.
الجلسة التى حضرها عبدالماجد هارون، وكيل وزارة الإعلام السودانية، ومحمد جبارة، المستشار الإعلامى السودانى بالقاهرة، والزملاء سوسن أبوحسين مدير تحرير مجلة أكتوبر، وجمعة حمدالله رئيس قسم الأخبار بالمصرى اليوم، وصباح موسى مراسلة صحيفة اليوم التالى السودانية بالقاهرة، وضعت يدها على أسباب المنغصات، وعلى رأسها التلاسن الإعلامى، الذى يحاول دوماً اللعب على وتر التأجيج لكسب قاعدة جماهيرية حتى وإن كانت على حساب مصالح الدولتين.
ورغم ما يظهر على السطح من خلافات، فعلى الأرض الوضع مختلف تماماً، فوفقاً للوزير أحمد بلال هناك أكثر من 200 ألف سودانى، قرروا قضاء شهر رمضان فى مصر، بخلاف الجالية السودانية الموجودة أساساً فى مصر، ولا يوجد رقم محدد لها، وإن كانت الأحاديث تدور حول إنها تتجاوز الخمسمائة ألف سودانى، وكل هذه الأرقام يعتبرها بلال خير شاهد على أن التلاسن الإعلامى لم يؤثر على الشعبين حتى الآن، ويلوم بلال على مصر، لأنها لم تتعامل مع السودانيين الزائرين لمصر على مدار العام، على أنهم عامل مهم فى دعم السياحة المصرية، وقال: «نحن أكثر داعمين للسياحة فى مصر، لكننا خارج حسابات الأرقام».
وقد يكون مقبولاً أن تسمع عن تزايد أعداد السودانيين الزائرين لمصر سنويا،ً سواء للسياحة أو للعلاج أو لأمور أخرى، فكما قال بلال: «السودانيون فى الماضى حينما كانوا يفكرون فى استخراج جوازات السفر كان لسببين، إما لزيارة مصر أو لقضاء فريضة الحج»، لكن الغريب أن تسمع من مسؤول سودانى بأن موسم الهجرة من الشمال للجنوب بدأ منذ سنوات، بخلاف ما هو شائع، فهناك الآن على عهدة الوزير أكثر من 300 ألف مصرى يعملون فى السودان، بل إن الصديق محمد جبارة قال إن الرقم تجاوز نصف المليون مصرى.
بلغة الأرقام، فإن الشعبين المصرى والسودانى استطاعا كسر أى محاولة لضرب العلاقة بين البلدين، وهو شىء جيد يمكن البناء عليه من الأن لتأسيس قاعدة قوية تعيد اللحمة مرة أخرى لوادى النيل، مستغلين فى ذلك أيضاً الدفعة القوية التى يقودها الرئيسان عبدالفتاح السيسى وعمر البشير، ولا أنسى ما سمعته من الرئيس البشير العام الماضى، حينما قال فى حواره الأول مع «اليوم السابع»: «بعد زيارتى الأخيرة لمصر، بعدما وصلت إلى الخرطوم قلت لإخواننا فى السودان: إنها أول مرة أكون مرتاحا نفسياً لزيارة مصر، وأخرج منها مرتاحا نفسيا، لأنى حقيقة شعرت بصدق من الأخ السيسى فى بناء علاقة استراتيجية مع السودان، وأنا أقول: إن الأخ السيسى بحكم أنه كان مدير المخابرات العسكرية فى الجيش المصرى، هو الأقرب إلى فهم المخاطر التى تهدد مصر، وأن السودان هى العمق الأمنى لمصر، بدليل أنه بعد 1967 ما تبقى من الطائرات المصرية جاءت إلى السودان، والكلية الحربية المصرية جاءت السودان، وهذا يؤكد أن هذه العلاقة استراتيجية يجب الحفاظ عليها لمصلحة أمن مصر والسودان».
بالتأكيد حلايب وشلاتين هى أكبر منغص فى العلاقة بين البلدين، وربما يحاول كثيرون استخدام هذه القضية لإشعال الفتن، وكما قال بلال: «الناس غرقوا فى شبر حلايب»، مما أدى إلى توقف الكثير من المصالح المشتركة بين البلدين، ومن المصالح المتوقفة المعابر البرية بين السودان ومصر، والتبادل التجارى والاقتصادى الذى لا يعبر بأى شكل الآن عن حجم العلاقات التاريخية بين شعبى وادى النيل، لكن السؤال هل تظل حلايب هى الشماعة التى نعلق عليها دوماً فشلنا، أم أننا نحتاج أن نخطو خطوة للأمام وننسى الخلاف.
بكل تأكيد، فإن علاقة مصر والسودان لن تنقطع أبداً، وحتى نقطع الطريق أمام أى محاولة لإفساد الود القائم الآن، علينا أولاً أن ننقى الخطاب الإعلامى فى البلدين من التلاسن الذى انتشر بشكل مخيف الفترة الماضية، ومطلوب أيضاً من مسؤولى البلدين أن يأخذ من العلاقة بين السيسى والبشير نموذجاً لكيف تكون العلاقة بين البلدين، وأن نكف عن النبش فى الماضى، وأن نعظم من القواسم المشتركة وما أكثرها.