ربما نتحمل جميعا حكاية قطع الكهرباء التى أصبحت والحمد لله غير موجودة هذا الصيف، ولكن الذى لا يمكن أن نتحمله هو انقطاع المياه الذى أخشى أن يتحول إلى ظاهرة أو عادة يومية فى أغلب مناطق محافظة الجيزة وعدد كبير من محافظات مصر، البعض يراها شيئا عاديا، ولكننى أراها كارثة قومية أخطر من ظاهرة انقطاع الكهرباء ويعيش المواطن فى المناطق التى تم قطع المياه بها فى كابوس حقيقى ودائم، لأنه لا يتصور يوما أن يعيش بدون مياه، وإذا كان هذا على المستوى الشخصى فما بالنا أن تهدد مصر فى مشروع الحياة وهو نهر النيل الذى ينتهك يوميا على يد الإثيوبيين تارة والشعب المصرى المهمل تارة أخرى.
وإذا كانت عملية قطع المياه على مستوى المحافظات كارثة فإن اختفاء نهر النيل أم الكوارث، فكلاهما سيؤدى فى النهاية إلى ضرب مصر بموجة عطش ندعو الله أن يخفف من توابعها، وما أقوله ليس مجرد كتابة، لكنها حقائق كشفها تقرير اللجنة الثلاثية التى تتكون من 4 خبراء دوليين، بالإضافة إلى خبراء مصريين وإثيوبيين وسودانيين، الذى وقعت عليه إثيوبيا وصدر فى نهاية مايو 2014.
التقرير أكد أنه خلال فترة ملء السد، وفى حالة تزامن الملء مع فترة فيضان أقل من المتوسط، فإن الآثار ستكون كارثية، حيث من المتوقع فى هذه الحالة أن يؤدى ذلك إلى عدم قدرة مصر على صرف حصتها من المياه بعجز أقصى يصل إلى 19 مليار متر مكعبا «%34 من الحصة»، وبعجز متوسط 11 مليار متر مكعب «%20 من الحصة»، وذلك طوال فترة الملء التى تمتد إلى 6 سنوات، وسيصاحب هذا العجز نقص فى إنتاج الطاقة الكهرومائية من السد العالى، وجميع المنشآت الواقعة بعده فى حدود %40 لمدة 6 سنوات أيضا.
نتائج كارثية إذا حدثت فترة جفاف تالية لملء السد. وتؤدى هذه التأثيرات إلى نتائج بيئية واجتماعية خطيرة، فكل 4 مليارات متر مكعب عجزًا من مياه النيل سوف تؤدى إلى بوار مليون فدان زراعى، وتشريد 2 مليون أسرة، وفقد %12 من الإنتاج الزراعى، وزيادة الفجوة الغذائية بمقدار المنخفض من هذا الإنتاج، مما يستلزم المزيد من الاستيراد للغذاء لسد هذه الفجوة، بالإضافة إلى مجموعة من التأثيرات الأخرى، مثل زيادة تلوث المياه والملوحة، وعجز مآخذ محطات مياه الشرب نتيجة انخفاض المناسيب، والتناقص الشديد فى السياحة النيلية، وزيادة تداخل مياه البحر فى الدلتا مع المياه الجوفية، وتدهور نوعية المياه فى البحيرات الشمالية، بالإضافة إلى جميع المشاكل الاجتماعية المصاحبة.
التقرير يعد صدمة لكل الشعب المصرى الذى لا يعلم خطورة جفاف نهر النيل، فهو مقدمة لانتشار الأمراض والفوضى، وكتب التاريخ تقول ذلك، فمع الجفاف تظهر كل الجرائم والكوارث، فهل أعدت مصر خطة للتحرك ضد إثيوبيا اذا لم تراع حصة مصر فى المياه، لأن قضية المياه هى خط أحمر.
لقد صدمت من المعلومات الخطيرة التى أوردها تقرير اللجنة الثلاثية، الذى لو لم ننتبه لما جاء فيه فإننا مقبلون بالفعل إلى أم الكوارث، لأن مصير مصر مرتبط بنهر النيل والمياه، فلا حياة فى مصر إلا بنهر النيل، وهو ما يجعل التقرير مؤشرًا لكل الكوارث التى ستقع فى حالة إذا لم يلتفت أحد إلى هذا التقرير، وما جاء فيه، إننى أخاطب الضمير والحس الوطنى، ليس فقط للرئيس السيسى، بل لكل مسؤول فى مصر أن يضع البدائل فى حالة استمرار نهب مياه النيل، بسبب سد النهضة الإثيوبى، فهل نتحرك قبل أن نبحث عن شربة ماء، ولا نجدها.. اللهم هل بلغت، اللهم فاشهد.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة