لمصلحة من الصراع فى البحر المتوسط؟.. الأيام الماضية شهدت تطورات غاية فى الخطورة بمنطقة البحر المتوسط، فبعد الإعلان عن اجتماع عقد الخميس فى العاصمة الإيرانية طهران ضم وزير الدفاع الروسى سيرجى شويجو، ونظيريه الإيرانى حسين دهقان، والسورى فهد جاسم الفريج، تحت شعار «التنسيق فى محاربة الإرهاب»، نقلت واشنطن حاملة الطائرات هارى ترومان فى مناورة مفاجئة من الخليج العربى إلى البحر المتوسط، فى تحرك وصف بأنه يهدف إلى الحفاظ على توازن القوى فى المنطقة وإبراز قوة الولايات المتحدة أمام روسيا.
فى الحدث الأول الذى جمع وزراء دفاع روسيا وإيران وسوريا، نجد أن سوريا هى الهدف من اللقاء، وهو أكدته وزارة الدفاع الروسية حينما قالت إن اللقاء الثلاثى ركز على الإجراءات ذات الأولية لتعزيز التعاون بين وزارات الدفاع فى الدول الثلاث، فى محاربة تنظيمى «داعش» و«النصرة»، فى سوريا، ولا أستبعد أن يكون حدث اتفاق على توسيع الوجود الروسى فى سوريا وتحديداً على شواطئ البحر المتوسط، حيث تمتلك موسكو قاعدة بحرية الآن فى ميناء طرطوس وتحاول توسعة وجودها بشكل أكبر مما عليه الآن.
فى الحدث الثانى قالت صحيفة وال ستريت جورنال إن حاملة الطائرات الأمريكية «هارى ترومان» قامت بمناورتها المفاجئة الأسبوع الماضى، وأبحرت من الخليج إلى البحر الأبيض المتوسط، ووفقا للصحيفة فإن الغرض من هذه المناورة هو استعراض قوتها العسكرية وقدرة تنقلها أمام روسيا، مع الإشارة إلى أنه فى السنوات الثلاث الماضية كان يوجد ما بين 10 إلى 15 سفن بحرية روسية فى المتوسط.
وفى إشارة ذات دلالة نقلت الصحيفة عن مسؤول فى وزارة الدفاع الأمريكية لم تذكر رسمه قوله إن مناورة حاملة الطائرات هارى ترومان هى بمثابة «إشارة» إلى موسكو، بأن وجود هذه السفينة بمثابة ردع لروسيا، قائلا: «قرارنا المفاجئ بنقل هارى ترومان إلى المتوسط من شأنه أن يجعل روسيا تفكر مرتين»، فيما قال الأميرال بريت باتشلدر قائد مجموعة حاملة الطائرات هارى ترومان: إن «هذا استعراض للقدرات القتالية لتطمين حلفاء الولايات المتحدة من الأعضاء فى حلف شمال الأطلسى وتأكيد حرص الولايات المتحدة على المحافظة على توازن القوى فى البحر المتوسط»، وتزامن هذا التصريح مع تسريبات إعلامية أشارت إلى أن الولايات المتحدة تخطط لإرسال حاملة طائرات ثانية إلى المتوسط خلال الشهر الجارى، إضافة إلى «هارى ترومان»، وهو ما يشير إلى أن الولايات المتحدة وروسيا يسعيان إلى تحويل حوض البحر المتوسط إلى مكان جديد لعملياتهم وحربهم، تحت مسميات مختلفة، تحمل هذه المرة «مكافحة الإرهاب» شعاراً لها.
ولا ننسى أن الاتحاد الأوروبى قرر منذ فترة الإسراع فى إنشاء قوة لحرس الحدود وخفر السواحل، كما طالب زعماء أوروبا تنفيذ الإجراءات التى اتفق عليها للحد من الهجرة غير الشرعية عبر البحر المتوسط، مع موافقتهم على استخدام القوة العسكرية ضد مهربى المهاجرين فى البحر المتوسط، فى إطار عملية الاتحاد الأوروبى البحرية «ناف فور ميد»، ويجيز هذا الإجراء للسفن الحربية الأوروبية اعتراض وتفتيش ومصادرة المراكب التى يشتبه بأن المهربين يستخدمونها، كما يمكنها القيام بعمليات اعتقال شرط ألا تدخل المياه الإقليمية الليبية.
نحن إذن أمام تغييرات خطيرة يشهدها حوض البحر المتوسط، فهناك تسارع من الدول الكبرى لزيادة وجودها فى هذا المكان الحيوى، وقد يكون هذه الرغبة ليست وليدة اليوم، فقط سبقتها محاولات سابقة، لكن ما يدعو للانتباه هذه المرة أن الأمر لم يعد مقتصراً على محاولات إظهار القوة أو حماية مصالح كل دولة من الدول الكبرى فى المنطقة، وإنما تحويل البحر المتوسط إلى ساحة جديدة للمواجهة العسكرية بين روسيا والولايات المتحدة، وهو ما يحتاج إلى سرعة تحرك من جانب دول حوض المتوسط، لحمايته قبل أن يتحول لمسرح عمليات عسكرية قد تؤثر على استقرار دول المنطقة التى تعانى غالبيتها من توترات داخلية.