فى التسعينيات صدر للدكتور جلال أمين، الأكاديمى والمفكر المعروف وأستاذ الاقتصاد فى الجامعة الأمريكية بالقاهرة، كتاب مهم، أصبح عنوانه بعد ذلك مثارا لندوات ومؤتمرات للإجابة عن السؤال الذى حمل اسم الكتاب.. «ماذا حدث للمصريين؟» للبحث فى الأسباب التى أدت إلى التغيير فى الشخصية المصرية، وفى طباع وأخلاق وصفات المصريين المعروفة عنهم والمشهورين بها، ولماذا تراجعت إلى هذا الحد؟
الدكتور جلال أمين يرصد فى زمن التسعينيات أحوال المجتمع المصرى بأسلوب واقعى بسيط، ومراحل تغيير المجتمع المصرى منذ قيام ثورة يوليو وحتى أواخر التسعينيات للوصول إلى الإجابة، التى ما زالت غير مكتملة حتى الآن مع استمرار التغيير أو التجريف بمعنى أدق، الذى حدث للشخصية المصرية فيما بعد التسعينيات وحتى يومنا هذا.
فالسؤال ما زال مطروحا، والإجابة عنه تبدو صعبة وعسيرة، والبحث عن علاج للأمراض الاجتماعية التى أصابت المصريين فى العقود الثلاثة الأخيرة تحتاج فى البداية إلى تشخيص ثم وضع روشتة للعلاج، فالكل يرى الأزمة ويرصد التغيير دون وضع حلول عملية شاملة، فعلماء الاجتماع يروا التحول الرهيب فى سلوكيات المصريين وتراجعا كبيرا فى الطباع المعروفة عنهم من التسامح والشهامة و«الجدعنة» والرضا والقناعة، والسماحة والكرم، وحب الغير والدفاع عنه، والعفو عند المقدرة، وتوقير الكبير واحترام الصغير، وتقدير المرآة، وهى أعمدة الشخصية المصرية التقليدية والراسخة منذ مئات السنين، فالعصبية والتوتر والعنف، والتخلى عن المروءة والشهامة، وإعلاء المصلحة الشخصية على المصلحة العامة، هى السمات السائدة الآن بين الغالبية من المصريين، تعرية الأم سعاد فى المنيا كانت حادثة صارخة وموجعة وشاهدة على التدنى والتراجع فى السلوك والطباع والأخلاق العامة، حوادث القتل اليومى لأتفه الأسباب التى نقرأ ونسمع عنها يوميا، الغش الجماعى وتسريب الامتحانات. فساد الضمير فى العمل، وفى تأدية الواجب، أفرز ظواهر غريبة أو جديدة على المجتمع المصرى، حتى وصلنا لمرحلة غاية فى الخطورة فى علاقات المجتمع بعضه ببعض.
الكل يدرك المشكلة، ومع ذلك الكل ما زال يتساءل: «ماذا حدث للمصريين»، كيف تغيرت الطباع من حال إلى حال فى وقت ليس بالكثير، وكيف تراجعت الأخلاق إلى هذا الحد، لا نكذب على أنفسنا فالذى نراه ونعايشه الآن ليس له علاقة بما كنا نعرفه ونتربى عليه ونسمع عنه، وما زلنا نتشبث به ونتغنى به ونندفع إليه فى موجة حنين جارفة، فالحنين أو «النوستالجيا» هو ما تبقى لنا فى الحديث عن أخلاق وطباع وسمات المصريين التاريخية، عن أخلاق «ولاد البلد» والشهامة والمروءة وغيرها.
أين ذهبت هذه الأخلاق وما هى الأسباب؟ هل التغيير وافق هوى الأجيال الجديدة من المصريين منذ بداية السبعينيات، وأدبيات ومفاهيم الانفتاح الاقتصادى، وتبدل لغة وسلوكيات المجتمع، واهتزاز سلم الطبقات الاجتماعية وبداية الانحدار فى كل مقومات وقيم المجتمع المصرى، هل التغيير طبيعى والمجتمع «غير جلده» ويبنى أعمدة شخصية جديدة قائمة على قيم الفهلوة والغش وانعدام الضمير؟
المسألة تحتاج إلى إعادة طرح السؤال مرة أخرى، والبحث عن إجابة حقيقية، فمجتمعات كثيرة مرت بظروف تاريخية واجتماعية مشابهة، لكن لم يصيبها ما أصاب المصريون فى أخلاقهم، فانفتاح الصين، على سبيل المثال، لم يؤد إلى نفس نتائج انفتاح مصر لتغيير الدوافع النفسية هنا وهناك، وكما يقول المثل الإنجليزى «تستطيع أن تقود حصانك للنهر لكنك لا تستطيع إجباره على الشرب».
فماذا حدث للمصريين، وهل ما زلنا فعلا «ولاد بلد وجدعان؟».. للحديث بقية غدا.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
ألشعب الاصيل
أخلاقنا وليدة الظروف التى نتعرض لها
بدون
عدد الردود 0
بواسطة:
محسن محمود
اخلاقنا وليدة الاخوان و السلفيين
قبل الاخوان و السلفيين لم تكن اخلاق مصر كذلك
عدد الردود 0
بواسطة:
سليم
قلنا قبل ذلك ونقول