هل فوجئ أحد بعملية التسريبات التى تمت لامتحانات الثانوية هذا العام بالرغم من الاستعدادات غير المسبوقة والتصريحات التى صمت الآذان من وزير اللاتربية واللاتعليم التى أكد وأقسم فيها بأغلظ الأيمان بأنه لن تكون هناك أى عملية غش فردى أو جماعى «فكل الأمور تمام يا فندم»، خاصة أن وزارتى الداخلية والمواصلات قد دخلت معه فى الخدمة؟
بالتأكيد لم تكن تلك العملية التسريبية التى قد تجاوزت كل الحدود شكلا وموضوعا وتحديا غير مسبوق مفاجأة لأحد، ذلك للوضع المتردى الذى وصلت إليه الحالة التعليمية فى مصر والذى أثمر هذه الممارسات التى لا علاقة لها بتعليم حقيقى أو تربية صحيحة، نعم ما تم من تسريب لا ينفصل عن مجمل الوضع العام الذى سقطت فيه الأخلاق وتدنت فيه القيم وانتشر فيه الفساد بدرجات غير مسبوقة، فلماذا قد وصلنا إلى هذا المستوى الذى لا يليق بمصر ولا بالمصريين؟ هل المشكلة هى مشكلة أخلاق؟ أم المشكلة سياسية فى الأساس؟
فإذا كانت مشكلة أخلاق فهل هولاء وأمثالهم الذين يقترفون كل عمل غير صالح للفرد وللمجتمع قد خرجوا عن الحظيرة الجمعية التى تخاف الله؟ هل هى أزمة أخلاق لمجرد خروج هؤلاء عن الأخلاق والعادات والتقاليد الحميدة التى تشمل مجمل المصريين؟ هل هؤلاء قد خرجوا عن قواعد الدين ولذلك يجب أن يعودوا فورا إلى حظيرته وسماحته وقيمه؟ وهل الحل لمثل هذه المشكلة وغيرها من المشاكل المحيطة بنا تكون بالتحاور معهم لإقناعهم بالعودة إلى الأخلاق والتمسك بالقيم؟ فهذا المنهج وذلك التفكير وتلك الرؤية هى التى دائما وأبدا ما نراها فى مثل هذه الظروف، فالجميع يتحدث عن غياب الضمير وسقوط الأخلاق وعدم التمسك بالدين الصحيح، فإذا كان الأمر كذلك فكيف نحل تلك المعادلة المتناقضة بين المظهر وبين المخبر؟
فالمعروف والمشاهد أن مصر والمصريين هم أكثر شعوب الأرض دينا وتدينا إسلاما ومسيحية، فما أكثر المساجد والكنائس! وما أكثر التمسك بما يسمى بالزى الإسلامى للنساء والرجال! وما أكثر ما نرى الشباب المسيحى الذى يعلق الصليب تباهيا بالرغم من أنه كان يخص السيدات ناهيك عن تلك الوشومات على الأذرع والصدور للقديسين! أما القنوات الفضائية الدينية إسلامية ومسيحية فما أكثرها! فقد أصبحت مثل الهم على القلب ولا تجيد غير المبارزات والمواجهات والإعلانات التجارية، فإذا كان الأمر كذلك فلماذا هذا التناقض؟
نعم، هذا جزء من المشكلة، فالفكر الدينى بشقيه أصبح يخضع لاجتهادات يستغرقها الشكل ولا يعنيها الموضوع تسعى للمصلحة الخاصة ذاتيه وطائفية حتى أصبح المكسب الشخصى هو الأهم وبالطرق غير المشروعة، ولكن هل إذا صلح الفكر الدينى تنتهى المشكلة ونتحول إلى ملائكة؟ لا شك أن الجانب الدينى بقيمه هام ومهم وهو أساس العملية القيمية بشكل عام. ولكن هناك جانبا آخر يجب عدم إغفاله، فإدارة الشأن العام والرؤية السياسية هى جزء أساسى فى المشكلة. فما هو مستوى التعليم والمدرسين والمدارس والجامعات؟ ما هو المستوى الاقتصادى خاصة للأغلبية التى لا تجد ما يقيم أودها؟ ما هى الخدمات الثقافية التى تقدم للمواطن والتى لا غنى عنها مثل الطعام والمسكن فهى ترقى الشعور وتنمى العواطف؟
هل هناك مجال للترقى الوظيفى والاجتماعى؟ هل هناك شعور عام بتطبيق القانون على الجميع بلا تحيز؟ هل هناك إحساس بعدالة القضاء؟ التسريبات يا سادة نتيجة لمشاكل مركبة ومتداخلة وفساد وصل النخاع.
والإصلاح لا يكون بالقطعة، والتغيير لا يأتى بالحماس الوقتى، فلا بد من تضافر الجهود وقوة الإرادة ونقاء الضمير والانتماء الحقيقى لوطن يضم الجميع ومن حق الجميع.