لا أعرف على وجه التحديد بأى «حجة» يقنع الإرهابيون أنفسهم بالوصاية على غيرهم؟ فنحن فى ذيل الأمم، ولو تقدر تلك الأمم على أن تقطع ذيلها لتقطعنا معه لفعلت، لكنها لا تستطيع أن تفعل هذا لأن وجود العالم المتخلف شرط أساسى لوجود العالم المتقدم ولو على سبيل التغيير، ومع هذا كثيرا ما ينتاب بعض المتطرفين حماسة كبيرة لتغيير العالم، وحماسة أكبر لفرض وصايته عليه، ودون أن يعرف إلى أى شكل سيغيره، ودون أن يقدم أى مبرر لفرض هذه الوصاية.
ويبدو أن كل هذا الهوان الحضارى لم يكف البعض ولم يشف نهمهم للتخلف، فأرادوا المزيد من الظلام فرزقهم الله به «من باب واسع» ولهذا رأينا هذا الحادث الإرهابى الفظيع الذى ارتكبه المسلم الأمريكى الأفغانى الأصل «عمر متين» فى أورلاندو بأمريكا، ليودى حياة أكثر من خمسين أمريكيا بينما يقبع مثلهم فى المستشفيات الآن كمصابين، وبدلا من أن نتضامن مع الشعب الأمريكى فى تلك الواقعة الأليمة أظهر بعض المسلمين تشفيا وضيعا فى مصاب أمريكا.
هكذا ننسحب من المشهد الحضارى والأنسانى على حد السواء، لنعلن للعالم تخلينا عن إنسانيتنا، ونكشف له مدى وضاعتنا واستحقاقنا لما نحن فيه من تخلف، ولنمنح العالم أيضا أقوى المبررات لاحتقارنا والعصف بنا على كل المستويات، ولنغذى تلك الروح الهمجية والبربرية المنتشرة فى أوروبا وأمريكا ضد كل ما هو إسلامى، والمؤسف حقا هو أن ذلك التشفى لم يقتصر على الإرهابيين فحسب وإنما شمل بعض «النخب» أيضا لنؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الفساد فى العقل العربى والإسلامى يتمدد من القمة للقاع.
أكثر من مائة شخص نصفهم قتلى والنصف الآخر جرحى، أرداهم شخص واحد فقط، ليكسب «متين» الإرهاب أبعادا جديدة غير تلك المتعارف عليها عالميا، فلم يعد الإرهاب الإسلامى مقتصرا على الأهداف السياسية أو الدينية وإنما امتد أيضا ليشمل أهدافا «أخلاقية» فحتى الآن لم يتأكد العالم من انتماء «عمر متين» لأحد التنظيمات الإسلامية المتطرفة، برغم ما يشاع عن انتمائه إلى «داعش»، وحتى الآن ينكر أقاربه بمن فيهم زوجته السابقة التى كان يوسعها ضربا لأتفه الأسباب انطلاق عمر متين من خلفية دينية متشددة، ولكنهم يؤكدون أنه كان شديد التعصب ضد المثليين جنسيا، ولهذا ارتكب حادثته الفظيعة فى ناد يضم المثليين.
نحن هنا أمام تطور مريع فى العقلية الإرهابية فمرتكب الواقعة واحد فرد، لم يعجبه سلوك البعض بوازع أخلاقى فحسب فقرر إعدام 50 شخصا، وإصابة مثلهم، هو وحده فكر وقرر ونفذ، ليؤكد للعالم الغربى أن المسلمين تحولوا إلى قنابل موقوتة تمشى على الأرض، وأنه لا يشترط أن ينتمى أحد المسلمين إلى أحد التنظيمات الإرهابية ليصير إرهابيا، فالإرهاب كامن فى داخل العقل والروح، لا يريد أكثر من عامل استفزاز حتى يخرج إلى العلن، وهو ما يؤكد أن الإرهاب مرض متأصل فى العقلية الإسلامية، ومادام العالم، بما فيه من مسلمين معتدلين، لا يستطيع أن يستأصل هذا المرض فعلى الجميع العمل على علاجه، والعلاج الوحيد له هو «الثقافة».
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
سليمان
عـفــــــــــــــــــوا // مــــــاذا تــقـــــــــــول يــا أســــــــــــــــــــــــــتـاذ ؟
عدد الردود 0
بواسطة:
fayez
لاحظ