دندراوى الهوارى

نعيش زمن مواعظ «جزاء سنمار».. و«على أهلها جنت براقش»

الثلاثاء، 14 يونيو 2016 12:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

للأمثال تأثير فى الأسماع والقلوب لذلك ضرب الله الأمثال فى كتابه العزيز وجعلها من دلائل رسله



أعترف بأن عمرى كله كوم، والـ 5 سنوات الأخيرة وتحديدا منذ 25 يناير 2011، وحتى كتابة هذه السطور، كوم آخر ومختلف، سواء من حيث معايشة الأحداث التى وقعت وبعضها فاق سقف الخيال، أو الحقائق التى تكشفت بما يشبه الكابوس، وانقلاب وانفلات فى كل مناحى الحياة بما يشبه زلزالا قويا مدمرا للحجر والبشر، ورغم أن السنوات الخمس الماضية وحتى الآن كانت بمثابة تقليب الأرض من الأعماق، وخروج ديدان سامة، وحشرات وزواحف مدمرة، فإننى لم أتخيل لحظة من خلال ما عايشته أو حتى ما درسته وقرأته فى كتب التاريخ، أن تصبح الفهلوة والمشاعر الشخصية مقياسا ومعيارا راسخا وقويًّا لتقييم الناس، واختفت معايير الكفاءة المهنية والموهبة والتفانى فى العمل، كما اندثرت معايير القيم الأخلاقية والوطنية من قواميس حياتنا دون رجعة.

قواعد التقييم فى مناحى الحياة، التى جوهرها مشاعر الحب والكراهية، وخفة الدم، وثقله، والعلاقات الشخصية، واستبعاد المعايير الحقيقية من التى دفعت دولا مثل أمريكا و ألمانيا والصين واليابان وروسيا وغيرها من الدول إلى التقدم والازدهار، من حيث قيمة العمل، والدفع بالمستحقين من المواهب والكفاءات إلى مقدمة الصفوف، إنما يمثل وبالا على الدول، ويدفع ثمنها الشعوب غاليا من مستقبله، بل واقعنا الحالى فى تقييم الأمور يشبه إلى حد التطابق واقعتين مهمتين، معبرتين، ومدونتين فى كتب تراث الأمة، وأصبحا من أبرز الأقوال المأثورة والأمثال الشعبية التى يتوارثها الأجيال، جيلا بعد جيل، وهما «جزاء سنمار.. وعلى أهلها جنت براقش»، ومن المعلوم بالضرورة أن الأمثال هى حكمة الشعوب، ومرآة الأمم العاكسة لمشاعر الناس على مختلِف مستوياتهم، والمعبرة عن مشاكلهم وهمومهم، كما أن الأقوال المأثورة هى حصيلة تجارب متعاقبة، وصورة رسمها الإنسان تترجم معاناته وفلسفته فى الحياة، وكما يقول أبوالحسن الماوردى، الفقيه الحافظ وكبير القضاة فى الدولة العباسية، فى كتابه الشهير «أدب الدنيا والدين»: «وللأمثال من الكلام موقع فى الأسماع، وتأثير فى القلوب، لا يكاد الكلام المرسل يبلغ مبلغها، ولا يؤثر تأثيرها، لأن المعانى فيها لائحة، والشواهد بها واضحة، فلذلك ضرب الله الأمثال فى كتابه العزيز، وجعلها من دلائل رسله».

ونبدأ بالمثل الشعبى العربى الشهير «جزاء سنمار»، الذى يتطابق مع واقعنا الحالى، فقد ذكرت كتب السير أن حاكم «إمارة الحيرة» النعمان بن امرئ القيس بن عمر اللخمى، أراد أن يبنى قصراً ليس كمثله قصر، يفتخر به على العرب، ويفاخر به أمام الفرس، ووقع اختيار النعمان على المهندس سنمار لتصميم وبناء هذا القصر، وزعموا أن سنمار هذا كان رجلاً رومياً مبدعاً فى البناء.

استغرق سنمار فى بناء القصر عشرين عاما، وأطلقوا عليه اسم «قصر الخورنق» الذى يسلب العقول من جماله وفخامته، وانتهى «سنمار» من بناء القصر على أتم ما يكون، وعندما عاين «النعمان» القصر وطاف بأرجائه، أمر رجاله بإلقاء «سنمار» من أعلى القصر، فسقط على الأرض مضرجا فى دمائه، وقال وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة «جزانى لا جزاه الله خيرا إن النعمان شرا جزانى رصصت بنيانه عشرين حجة أتممته عنه رمانى»، وتروى كتب السيرة أن سبب إقدام الملك «النعمان» على قتل «سنمار»، عندما علم بأنه يستطيع أن يبنى قصرا آخر أفضل وأجمل من هذا القصر، فكان مصيره القتل حتى لا يبنى قصرا آخر، وانتشرت المقولة «جزاء سنمار»، التى تترجم بكل قوة نكران الجميل وجزاء كل من يصنع معروفا وخيرا للغير.

وننتقل للمثل للثانى الشهير أيضا، الذى يعد نتيجة للمثل الأول: «على أهلها تجنى براقش»، الذى اختلف الرواة حوله كثيرا، فورد فى كتب الأمثال بعدة صيغ، أبرزها: إن براقش كانت كلبة لقوم من العرب، وعندما هاجمتهم قبيلة أخرى، فروا هاربين وتركوا بيوتهم وممتلكاتهم، وكانت معهم براقش، ولاحقتهم القبيلة المعادية واستطاعت أن تصل إليهم نتيجة «نباح الكلبة براقش»، فهجموا عليهم وقتلوهم جميعا بما فيهم الكلبة، «فجنت براقش على أهلها» وكانت سببا جوهريا فى قتلهم جميعا. هذه النوعية من الأمثلة الشعبية تظهر وتلوح فى أفق الدول التى تشهد اضطرابا، وفوضى، وتفقد فيها بصيرة وبصر عيون «الجواهرجية» التى تستطع بمجرد النظر أن تفرق بين المعدن الفالصو والنفيس،وبين الكفاءات المهنية وأنصاف المواهب وبين المخلصين ومن انتزعت من صدورهم كل القيم الأخلاقية والوطنية، وهو ما تدفع ثمنه المجتمعات غاليا.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة