على هامش الجدل الدائر حول رفض الحكومة لإلغاء مادة ازدراء الأديان والعقوبات الخاصة بها، أتوقف أمام قصة الأستاذ الشيخ على عبدالرازق وكتابه «الإسلام وأصول الحكم»، التى دارت وقائعها عام 1925، فرغم مرور 91 عاما على وقائعها، إلا أننا مازلنا نعيش نفس القضية التى دار حولها الجدل عن الكتاب، فالرجل قدم اجتهادا، لكنه قوبل بهجوم عنيف، حيث وضعه البعض فى خانة الكفر وازدراء الدين، ودفع ثمنا غاليا.
اعتمد فى سرد القصة على كتاب «حوليات مصر السياسية - الحولية الثانية» الصادر عن الهيئة العامة للكتاب، ومؤلفه هو أحمد شفيق باشا الذى كان رئيس ديوان الخديو عباس حلمى الثانى، وكتاب «أفكار ضد الرصاص» للكاتب الصحفى محمود عوض، ومذكرات الدكتور محمد حسين هيكل رئيس مجلس الشيوخ قبل ثورة 23 يوليو 1952.
كان الشيخ على عبدالرازق يعمل قاضيا شرعيا فى محكمة المنصورة، وكان معروفا منذ نشأته بحرية الفكر وسعة الأفق، وفى شهر إبريل عام 1925 انتهى من تأليف كتاب «الإسلام وأصول الحكم» ودفع به إلى المطبعة، وفيه يشرح الخلافة وطبيعتها، ويراجع آراء علماء المسلمين فى ذلك، فيجد أنهم انقسموا إلى مذهبين، فريق يرى أن الخليفة يستمد سلطته من الله تعالى، فهو ظل الله وحاكم بأمره، وهذا الفريق هو الأغلبية، ثم هناك فريق وهو أقلية ويرى أن الخليفة يستمد سلطاته من الأمة، بحيث تصبح هى مصدر قوته، ثم يتساءل: ما هو سند الخلافة؟ هل هو القرآن؟ السنة؟ إجماع المسلمين؟
ويجيب، إنه مبدئيا يقرر أن القرآن والسنة لم يتعرضا مطلقا لموضوع الخلافة، فالخلافة ليست ولم تكن قط حكما من أحكام الدين الإسلامى، كما أن الإجماع، أى اتفاق المسلمين لم ينعقد قط على خليفة، بل إن التاريخ لا يكاد يعرف خليفة إلا وعليه خارجون ومتمردون، ويصل عبدالرازق إلى رأيه الخاص بعد ذلك: «ليس بنا من حاجة إلى تلك الخلافة لأمور ديننا ولا لأمور دنيانا، ولو شئنا لقلنا أكثر من ذلك، فإنما كانت الخلافة ولم تزل نكبة الإسلام والمسلمين».
كانت مسألة الخلافة فى هذا الحين حسب شفيق باشا: «محل اهتمام الشعوب الإسلامية، ومطمح أنظار بعض الملوك والسلاطين الراغبين فى توسيع نفوذهم ولو كان هذا الاتساع وهمياً بحتاً»، وكان كمال أتاتورك فى تركيا قد ألغى الخلافة الإسلامية يوم 3 مارس 1924، وخلع السلطان عبدالمجيد خليفة المسلمين وطرده من تركيا مع كل أسرته قبل الخامسة صباحا، وعلى الفور حمل قائد الشرطة القرار فى يده وتوجه إلى قصر السلطان، وعندما قال الخدم لقائد الشرطة: إن الوقت ليل، والخليفة نائم، رد قائد الشرطة: أيقظوه، أيقظوه فورا.
ألقت مسألة إلغاء الخلافة بتأثيرها لدى بعض الدول التابعة للدولة العثمانية وفى مقدمتها مصر، وارتفع منسوب طموح قادتها إلى أن يكونوا البديل عن السلطان العثمانى فى الخلافة، أى يكون واحد منهم خليفة للمسلمين، وكان الملك فؤاد الأول ملك مصر أكثر من سال لعابه لأجل هذا، واستقر الرأى أن يقوم الأزهر بالدعوة لعقد مؤتمر إسلامى فى القاهرة لبحث موضوع الخلافة بعد سقوطها، وإقناع ممثلى الأقطار الإسلامية بمبايعة الملك فؤاد خليفة للمسلمين، وبينما كان طموح فؤاد يذهب إلى لقب الخليفة، جاء كتاب «الإسلام وأصول الحكم» كسباحة ضد هذا التيار.. يتبع.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
ألشعب الاصيل
الخلافة الحاليه أحد مصادر الفساد
بدون