لدى مكتب التحقيقات الفيدرالى الأمريكى «FBI» يقين بأن عمر متين، منفذ اعتداء أورلاندو الذى راح ضحيته 49 قتيلا و53 جريحا، «اعتنق التطرف» عبر الإنترنت، وتأثر بمنظمات متطرفة مختلفة، ولكن من دون أن تتولى هذه المنظمات قيادته، وقال جيمس كومى مدير المكتب «نحن مقتنعون بأن هذا القاتل اعتنق التطرف على الأقل جزئيا، عبر الإنترنت».
ما قاله كومى يؤكد النظرية التى أراها تتحقق الآن أمام أعيننا، وهى أن الإنترنت أصبح صديق السوء للجميع، والقادر على تشكيل فكر ووعى الشباب والتحكم فيهم أيضاً، بأقل تكلفة وبعيداً عن الرقابة الأسرية، بشكل لم يقتصر تأثيره على حدود الأسرة، وإنما تخطاها ليكون له تأثيرات سلبية على الأمن القومى للدولة، وللأمن الدولى بشكل عام، فكثير من المتهمين فى هجمات إرهابية، تم تجنيدهم عبر الإنترنت، كما أن كل تقارير الاستخبارات الغربية تكشف أن غالبية من الأوروبيين المنضمين لتنظيم داعش الإرهابى فى العراق وسوريا، تم تجنيدهم عبر الإنترنت، وهنا تظهر الخطورة التى علينا أن ننتبه لها، بحيث نتعامل مع الأزمة بأفق أوسع، وعدم حصر القضية فى أنها تضييق على الحريات الشخصية.
على كل الأسر أن تدرك أن الإنترنت الآن، شئنا أم أبينا، تحول بالفعل إلى أخطر صديق للابن، وعليهم أن يكونوا مطلعين على استخدامات أبنائهم لأجهزة الاتصالات الحديثة، وعدم تجاوزهم الحدود المسموح بها، وهنا الأمر لا يتعلق أبداً بالتضييق، وإنما هدفه الحفاظ على الشباب أنفسهم بحمايتهم من الخطر الذى يداهمهم، ويريد أن يؤثر عليهم، وعلى أفكارهم وعقولهم.
لا أدعو إلى التضييق الشامل لاستخدام الإنترنت، لكن كل ما أبحث عنه أن تكون هناك آليات واضحة ومحددة نستطيع بها حماية شبابنا من هذا الخطر، وهذه الآليات تبدأ من الأسر التى عليها أن تعمل بشتى الطرق لحماية أبنائها من الاستخدام غير الآمن للإنترنت، ففى الماضى كانت الأسر المصرية تراقب استخدام أبنائهم للإنترنت، خوفاً من تصفحهم المواقع الإباحية، لكنهم الآن يتركون الحبل على الغارب لأبنائهم، لا ليتصفحوا فقط المواقع الإباحية، ولكن ليقعوا ضحية لمواقع كل هدفها العمل على تجنيد الشباب، للانضمام للجماعات التكفيرية والإرهابية، من خلال استغلال العاطفة الدينية لدى شبابنا.
قد يكون من الصعوبة الحديث عن تحكم الأسرة فى دخول الأبناء على الإنترنت فى ظل انتشار أجهزة المحمول المحملة بكل التطبيقات التى تتيح لمستخدمها تصفح أى موقع فى أى وقت، وهو ما يصعب من عملية المراقبة الأسرية للأبناء، وهنا يبرز دور الدولة الممثلة فى البرلمان والحكومة، فالأول عليه البحث عن أطر تشريعية تضع قيوداً على الاستخدامات غير الآمنة للإنترنت، ومنها غلق المواقع المحرضة على الإرهاب، وربما يصل الأمر إلى فرض رقابة على مواقع دردشة تستخدم من جانب الجماعات الإرهابية للإيقاع بالشباب فى فخ الإرهاب.
وبجانب البرلمان، فإن الحكومة عليها دور مهم، سواء فى تطبيق التشريعات على الجميع، وأن يكون لديها كل الوسائل التى تسمح لها بالكشف عن كل المواقع المستخدمة فى الترويج للأفكار التكفيرية، وبالتوازى مع عمل الحكومة والبرلمان، يبرز دور الإعلام والمؤسسات الدينية، سواء الإسلامية أو المسيحية، لتوعية الشباب من مخاطر اعتناق الأفكار التكفيرية والتدميرية أيضاً.
أعود مرة أخرى إلى ما سبق وأشرت إليه، بأن وضع آليات لمراقبة الاستخدام غير الآمن للإنترنت، لا يتنافى مطلقا مع مبدأ الحرية الشخصية، لأن الأساس فى الحرية، ألا تكون مضرة بالآخرين، وإذا نظرنا إلى الأضرار التى تقع على المجتمع من جراء انتشار المواقع التكفيرية والمستخدمة فى تجنيد الشباب، وقسنا هذه الأضرار، بما سيقع على الشخص، إذا ما قررت الدولة مراقبة هذه المواقع، وربما حظرها، سنجد أننا نعلى من قيمة ومكانة المجتمع، على حساب الشخص، وهذا لا يتعارض مطلقاً مع الحرية، بل يدعمها، فالحرية لا يجب أن تكون سبباً فى الإضرار بالمجتمع، بل وتدميره أيضاً.