لا أدرى ما سبب الضجة التى أثيرت فى وسائل الإعلام بعد تصريحات بن على يلدريم، رئيس وزراء تركيا، حول مصر، الجمعة الماضى، فالرجل الذى تم تكليفه بالمنصب فى ظل ترتيبات أردوغان للانقلاب على النظام البرلمانى، لم يذكر مصر بخير ولم يبد ندما واعتذارا على مواقف بلاده العدائية ضد الشعب المصرى، أو عن مراهقة أردوغان وشططه وفجره فى الخصومة السياسية مع مصر 30 يونيو، وكل ما قاله يتسق مع موقف رئيسه، ثورة 30 يونيو انقلاب، لكن تركيا تريد تطوير العلاقات التجارية والسياسية مع مصر. هذا كل ماقاله يلدريم فى سياق إعادة النظر فى خلافات وعداوات الدولة التركية مع روسيا وإسرائيل أولا وسوريا ومصر ثانيا، بل إن مصر وردت فى آخر قائمة العداءات التى يرغب يلدريم فى تجاوزها بحسب تصريحه الأخير، أو يرغب أردوغان فى إيجاد حل لها بعد أن تزايدت عزلته عن الدول الأوروبية المحورية وبات غير ذى نفع فى الملف الأوروبى الأهم وهو ملف اللاجئين.
موقف رئيس الوزراء التركى إذن، يعكس براجماتية ميزت حكم أردوغان وحزبه منذ توليه السلطة، فقد اعتمد الديكتاتور العثمانى وحزبه على مدى سنوات، الفصل بين التنمية الاقتصادية والانفتاح على العالم من جهة، ومواقفه السياسية المتخلفة والعدائية لدول الجوار والداعمة للإرهاب من جهة أخرى، كما أن يلدريم لا ينطق أبدا عن الهوى وليس لديه رؤية سياسية، بل هو ظل أردوغان ولسانه وعيناه وأذناه منذ البدايات السياسية الأولى للرئيس التركى فى عمدية أسطنبول، وما كان يلدريم ليتولى منصب رئاسة الوزراء من دون صلاحيات تقريبا، لولا سعى أردوغان للإمساك بكل خيوط الحكم فى يديه.
يريد أردوغان، إذن، خلال الفترة المقبلة، كسر العزلة الأوروبية المفروضة عليه بعد أن بات غير متعاون فى ملف اللاجئين، وتراجع المهام المكلف بها فى المنطقة مع تراجع زخم مشروع الفوضى الخلاقة فى الشرق الأوسط، حيث لم يجن أردوغان من وراء ذلك إلا ابتعاد حلم انضمام تركيا للاتحاد الأوروبى وزيادة العداوات الصريحة مع دول محورية بالعالم والمنطقة منها روسيا ومصر وسوريا وإسرائيل، كما تراجعت معدلات النمو الاقتصادى فى تركيا بفعل انكماش الاقتصاد الأوروبى إجمالا وتزايد معدلات الإرهاب والعنف على الأراضى التركية، الأمر الذى يدق ناقوس الخطر لحزب أردوغان باقتراب الانقلاب الشعبى عليه وعلى سياساته. أكثر ما يخشاه أردوغان أن تعود فضائحه القديمة وفضائح عائلته إلى الواجهة مجددًا، حال أى تراجع اقتصادى، وفى مقدمة هذه الفضائح التى بدأت تثيرها وسائل الإعلام الأوروبية، قمع الحريات، وتصفية الخصوم السياسيين، والزج بهم فى السجون، فحتى يستمر أردوغان فى الحكم كان له أن يضمن أولًا الدعم الأمريكى، ثم يتحرك لتشويه المعارضة، وفرض القيود على وسائل الإعلام، ورفع شعار صد المؤامرة على الحكم الإسلامى الناجح، بينما الواقع يقول إن ديون تركيا فى عهده تتجاوز ثلاثمائة مليار دولار، وملف الحريات والممارسة الديمقراطية يشهد انتكاسة غير مسبوقة، ووصل الأمر بأردوغان أن طالب رؤساء وسائل الإعلام بصورة علنية بوضع رقابة على النشر، أو طرد الصحفيين المعارضين، كما هدد عددًا آخر من الصحفيين والكتّاب وأصدر تعليمات بإدخال تعديلات متطرفة على المناهج، ولم يحترم المحكمة الدستورية، واستهدف إعلاميين وصحفيين معارضين لسياساته، حتى أصبحت وسائل الإعلام المعارضة له توصف بأنها «العدو السياسى».
إذن، ما يريده أردوغان وأتباعه بوضوح، كسر حالة العداء الصريح مع دول المنطقة وإنقاذ الملف الاقتصادى المتراجع، ومنع إقامة دولة كردية على المناطق الحدودية مع سوريا، وهو مستعد لتقديم تنازلات محدودة حتى يحقق أهدافه، ولابد أن نرى علاقته بمصر من خلال هذا المنظور الشامل وليس من خلال العلاقات الثنائية التى لايعبأ بها أردوغان كثيرا، كما يبدو من سياساته التى تتبنى دعم واحتضان الإرهابيين والمطلوبين جنائيا على أراضيه، وتوفير منصات إعلامية لجماعة الإخوان الإرهابية، ودعم تنظيم داعش الإرهابى.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة