بدون أى مواربة الحكومة غلطانة "من ساسها لراسها" فى أزمة فوضى تسعير الدواء التى تضرب السوق حاليًا.. وهو أمر لو تعلمون عظيم.. كان كفيلاً بمساءلة الحكومة ومحاسبتها، أو على أقل تقدير معاتبتها؛ لتعاملها مع ملف تسعير الدواء باستهتار وتهاون ولا مبالاة تحسد عليها!!
فالحكومة تسرعت فى إعلان قرارها برفع أسعار الدواء؛ وكأنها تزف للناس خبرًا سارًا بزيادة الأجور والمعاشات.. نعم تسرعت الحكومة، وفعلت ما فعلت دون أن تعد للأمر عدته؛ كأن تعلن بوضوح وشفافية قوائم الأدوية التى يشملها القرار ومقدار الارتفاع فى سعر كل دواء.. إلى آخر ذلك من التفاصيل المهمة التى تفسر القرار؛ لكنها للأسف بدلاً من ذلك تركت الأمر كله فى أيدى بعض الشركات والصيادلة الجشعين؛ والذين رفعوا أسعار الأدوية، بل كل شريط دواء، بنسبة 300%؛ على الرغم من أن القرار يقضى برفع الأسعار بنسبة 20%فقط.
والمصيبة السوداء أن الحكومة لم تتدارك الأمر حتى لحظة كتابة هذه السطور؛ أى بعد أكثر من شهر من إعلان قرارها المشئوم برفع أسعار الدواء.. وما زال سوق الدواء يغرق حتى الآن فى فوضى عارمة يتحمل فاتورتها المواطن الغلبان وحده.
وحتى البرلمان لم يتنبه إلى خطورة ما يحدث إلا بعد أسبوعين من الفوضى؛ وكل ما فعله هو أنه استدعى وزير الصحة الذى اعترف، بلسان عربى مبين أن الحكومة تسرعت فى إعلان القرار دون أن تعد القوائم الرسمية بالأسعار الجديدة؛ واتهم الصيادلة وبعض الشركات بإنهم وراء ما يحدث لأنهم، بدورهم، لم ينتظروا القوائم الرسمية المعتمدة!
والشهادة لله فقد اعتذر الرجل، بلسان عربى مبين أيضًا، لأعضاء البرلمان عما حدث وما زال يحدث.. يعنى انتهت الحكاية كلها على بعضها بالعبارة الركيكة: "سورى بقى ياجماعة" وراحت خالتى عند خالتك واتفرقوا الخالات!
وطبعًا كان البرلمان، هو الآخر، فى منتهى الشياكة فقد قبل اعتذار الرجل، أو على الأقل لم تبدر من أعضائه أى إشارة على الرفض؛ وكما نعلم فإن السكوت علامة الرضا.
والغريب أنه فى ظل هذه الفوضى العارمة اجتمع وزير الصحة بغرفة الأدوية الذين وجهوا لمعاليه الشكر على رفع أسعار الأدوية بنسبة 20%؛ لكنهم قالوا له بكل بساطة إنها غير كافية ولابد من زيادة جديدة فى أسعار الدواء حتى تعوض شركات الأدوية خسائرها!
وهذا الكلام يعنى ببساطة أن شركات الأدوية تصب الزيت على نار الأزمة الراهنة لتزيدها اشتعالاً.. على طريقة شعللها شعللها ولعها ولعها..!
وإذا كانت الحكومة هى التى بدأت سلسلة الأخطاء التى أدت لتفاقم أزمة فوضى تسعير الدواء الراهنة؛ فإن هناك أطرافًا أخرى شاركت فى زيادة حدة الأزمة بالصمت على ما يحدث.. وأولهم طبعًا نقابة الصيادلة التى كان يجب أن تتدخل من أول لحظة لتكبح جماح بعض أعضائها الذين استغلوا الوضع لبيع مخزون الأدوية لديهم بأعلى بكثير من أسعارها المحددة، حتى بعد الزيادة التى أعلنتها الحكومة.
كما أن جهاز حماية المستهلك والجمعيات الأهلية لحماية المستهلك غطوا فى نوم عميق، وبدوا وكأنهم كانوا يأكلون "رز مع الملايكة" من أبو تمانية جنيه!.
ولا نعفى بالطبع باقى الأجهزة الرقابية التى كان عليها أن تتدخل لضبط الفوضى الضاربة فى السوق فى السوق.. بل إننى أرى أن القضية برمتها قضية احتكارية؛ حيث اتفقت الشركات بموافقة الحكومة على رفع الأسعار بنسبة واحدة؛ وكأن تكاليف الإنتاج فى كل شركات الأدوية واحدة، ناهيك عن أن كل ظروف العمل فيها واحدة بالمسطرة؛ وهو كلام غير منطقى على الإطلاق؛ ولذلك كنت أرى ضرورة دخول جهاز منع الاحتكار وحماية المنافسة على الخط لحماية السوق من الممارسات الاحتكارية للشركات؛ التى ما زالت تطالب بزيادة الأسعار كمان وكمان!.
إن ما حدث ويحدث الآن فى سوق الأدوية دليل على فشل كل الأطراف فى إدارة الأزمة.. فالكل فشل.. ولم ينجح أحد والمصيبة أنهم لم يتحركوا حتى الآن لتخفيف حدة الأزمة؛ أو على الأقل التكفير عما اقترفته أيديهم من أخطاء تحمل فاتورتها الباهظة المواطن الغلبان وحده دون غيره..!
لذلك أرى ضرورة محاسبة المسئولين عما حدث ويحدث فى سوق الأدوية؛ فإذا كان توفير السلع الأساسية بأسعار مناسبة لمحدودى الدخل هو جزء من أمننا القومى وصمام أمان للسلم الاجتماعى؛ فإن الأدوية تأتى على رأس هذه السلع الأساسية شاء من شاء وأبى من أبى..!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة