ها هو يرتقى.. ها هو يصعد.. ها هو يلحق بزملائه فى الكفاح وإخوته فى الوطن، ها هو يترك أحباءه وأصدقاءه وأقاربه ليسبح فى جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين.
هو الشهيد النقيب محمد أنور جمعة الذى نال شرف الشهادة على أرض مصر بعد أن عاش أجمل سنوات حياته مدافعا عنها، نالت منه يد الخسة فى وسط سيناء بعد أن لجأت لأشهر حيل الجبن والوضاعة فزرعت عبوة ناسفة لتفجرها من وراء حجاب، وهو ما يدل على جبن هؤلاء الأقذار ووضاعتهم، فهم يهربون من المواجهة، يخافون من اللقاءات المفتوحة، يضربون ضربتهم الوقحة ويهربون مثل الفئران إلى الجحور، يتخفون مرة فى زى امرأة ومرة على هيئة حيوان، مثلهم مثل قادتهم الذين هربوا من تجمع رابعة الإرهابى بعد أن ارتدوا النقاب الحريمى، أما أخوتنا وأبناؤنا فى الجيش والشرطة فهم واضحون مثل الشمس، يرضعون العزة والإباء من شمس مصر الحارسة، يقفون معلنين عن أنفسهم لكل ذى عين، ملابسهم واضحة، مهمتهم واضحة، ولاؤهم واضح، ومصيرهم واضح، النصر أو الشهادة.
هذا هو الفارق بيننا وبينهم، بين الجندى الذى يدافع عن وطنه والمرتزق الذى يقتل لحساب من يدفع أكثر، النقيب الشهيد محمد أنور جمعة كان يمشى وسط جنوده، مستقلا مدرعته، يتنقل مع بشائر نور الصباح، لم يخش شيئا، لم يتحرك فى جوف الليل مثل عصابات الإرهاب، ليقينه بأهمية التواجد الأمنى بالشكل الرسمى، حتى يبث الطمأنينة فى النفوس، فنال الشهادة التى توقعها ونال الدرجة التى استحقها، ونال الأجر الذى يعجز العالمون عن تصوره.
بحسب الخبر المنشور فى «اليوم السابع» فإن النقيب محمد أنور جمعة لم يقدم يوما طلبا لنقله خارج سيناء، مفضلا العمل فى تلك المحافظة الغالية حتى النصر على الإرهاب أو ينال الشهادة جزاء، وقد سلط هذا الخبر الذى كتبه الزميل بهجت أبو ضيف الضوء على بعض ملامح الشهيد الذى تعجبت من بلاغته وحسن تثقيفه، فقد أورد التقرير بعضا من منشوراته على الفيس بوك والتى يظهر فيها تأثره بالعديد من المأثورات التاريخية والأدبية، فكتب يوما: «صباح الخير للجياع.. للمشردين.. لمن افترشوا الأرصفة.. لمن دخنوا أرخص أنواع التبغ.. لمن يحيون ويموتون ولا أحد يعلم بهم.. فقط لهؤلاء.. صباح الخير» كما نشر مؤخرا منشورا عبر حسابه الشخصى قائلا: «عندما أموت، أخرجوا يدى من التابوت لكى يرى الناس أنه حتى السلطان خرج من الدنيا بيدٍ فارغة»، وفى هذين الاقتباسين يظهر جانبان مهمان من جوانب شخصية هذا الفقيد البطل، فهو الأديب الذى يميل قلبه ناحية اليسار معلنا انتماءه للمهمشين والمطحونين، وهو الزاهد فى متع الدنيا الذى يدرك أنها «زائلة» وأنها «باطلة» وأننا سنفارقها حتما، وليس لنا إلا العمل من أجل «حسن الخاتمة» فأحسن الله خاتمته.