ماذا كانت الدوافع وراء تصويت أكثر من نصف البريطانيين على الخروج من عباءة الاتحاد الأوروبى.. هل هو إحساس من بقايا «العظمة»، وأوهام «الإمبراطورية التى لا تغيب عنها الشمس»، أم هو إحساس بالتعالى على باقى الدول الأوروبية، واعتراض على اعتبار «بريطانيا العظمى» مجرد رقم وليست دولة قائدة وكبيرة لها وزنها وقدرها فى فضاء الاتحاد.
أيًا كانت الدوافع وراء تصويت حوالى %52 من البريطانيين على الخروج من الاتحاد الأوروبى، فأقل ما يوصف به أنه «الخروج الحزين»، و«الصدمة والترويع»، ليس لدول أوروبا فقط التى بدأ بعض دولها، مثل هولندا، تطالب هى الأخرى بالاستفتاء على البقاء فى الاتحاد، بل للتحالف البريطانى نفسه ودوله، وما يمكن أن يخلف تأثيراته السلبية على إمكانية التصويت على البقاء فى التحالف من دول من أسكتلندا.
فهل الخروج بمثابة تساقط قطعة من قطع لعبة «الدومينو»، والذى سيؤدى بالتداعى إلى سقوط باقى القطع، وانتهاء اللعبة، وسقوط خيارات الوحدة، ومواجهة التحديات المشتركة، وسقوط حلم الوحدة الذى تحقق فى أعقاب حروب دامية راح ضحيتها ملايين الأوروبيين.
وهل هو نهاية لعلاقة مرتبكة بين بريطانيا والقارة العجوز استمرت لأكثر من 43 عامًا، وهل تستطيع السفينة الأوروبية الإبحار وحدها من دون الشراع الإنجليزى.
السؤال الآخر الذى يحير الكثير من المراقبين للشأن الأوروبى، هو: إذا كان ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء البريطانى، ضد الخروج من الاتحاد الأوروبى، فلماذا أجرى الاستفتاء على الخروج؟، هل كان الهدف ابتزاز أوروبا أو تخويفها؟، وهل راهن على عدم التصويت بالخروج، وخسر الرهان فلم يعد أمامه إلا إعلان هزيمته أمام معسكر الخروج، وإعلان استقالته، واختيار حزب المحافظين الحاكم قيادة جديدة تواجه التطور الدراماتيكى الجديد بعد أن أصبحت بريطانيا «شاردة» عن أوروبا؟
لكن رغم الخروج الحزين والصادم يوم الخميس الأسود، فكل كارثة وراءها الخاسرون والرابحون المستفيدون، فالخاسر الأول بعد بريطانيا هو أوروبا، ثم الولايات المتحدة الأمريكية التى ستفقد حليفًا مهمًا، سياسيًا واقتصاديًا، داخل الاتحاد الأوروبى، فالنفوذ الأمريكى عبر بريطانيا داخل أوروبا سيفقد تأثيره إلى حد كبير بعد خروج المملكة، وكل ذلك يصب بالطبع فى رصيد ومصلحة القيصر الروسى الذى يراقب التداعيات والتطورات، و«انفراط المسبحة» الأوروبية، فالضعف الأوروبى هو قوة لروسيا، وموسكو لا تنسى العقوبات الاقتصادية الأوروبية، ومحاولات فرض الحصار عليها بتحريض أمريكى رغم تحفظ بعض أعضاء الاتحاد الأوروبى نفسه على تلك العقوبات، مثل اليونان والمجر والنمسا.
السعادة الروسية ليست معلنة حتى الآن، والتصريحات الرسمية تؤكد أن موسكو معنية ببقاء الاتحاد الأوروبى قويًا اقتصاديًا، ومزدهرًا ومستقرًا وشفافًا، لكنّ هناك فرحًا غير معلن بالتأكيد، فزلزال الخروج البريطانى يضرب فى كل الأنحاء فى العواصم الأوروبية، والعاصمة الكبرى واشنطن، والاستفاقة منه قد تستغرق وقتًا طويلًا.
بريطانيا الآن أو بعد عامين- حسب معاهدة برشلونة- ستبقى وحيدة وستتخلص- كما يتصور أنصار معسكر الخروج- من مشاكلها الاقتصادية، وتحملها اللاجئين الأوروبيين «286 ألف أوروبى» فى سوق العمل البريطانى، واستفادتهم من نظام الإعانات الاجتماعية، وسوف تتخلص من الرسوم المفروضة عليها، وتتخلص من العجز من الموازنة، ومن «ديكتاتورية القرار الأوروبى»، والتحرر من القيود المفروضة على السيادة الإنجليزية.. هكذا يتصور من صوّت للخروج، فقد صوتوا لنصف الكوب المملوء، ولم ينظروا إلى عواقب النصف الفارغ، والخسائر السياسية والاقتصادية والاجتماعية والرياضية، فبريطانيا لم تعد هى الدولة العظمى، والأحلام الكبيرة تلزمها إمكانات وقدرات على أرض الواقع تفتقدها المملكة المتحدة فى الوقت الحالى.
لكن كيف ننظر نحن كعرب إلى مسألة خروج بريطانيا، وهل نحن مراقبون ومتفرجون فقط، أم ستصب علينا لعنات الخروج؟.. نستكمل غدًا.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
1
1