هل نغلق هذه السماوات المفتوحة «الفضائيات والإنترنت» أمام أبنائنا ونسجنهم داخل عباءتنا أم أن هذا مستحيل والأجدى بنا أن نمعن التفكير فى بديل لما نتبعه من تربية حالية. بديل ثورى يغير كثيرًا مما ألفناه؟، هذا هو السؤال الأخطر الذى طرحه الباحث الإسلامى جمال با مسعود خاصة أنه طرح البديل وهو بديل يتطلب منا أن نغير ما ورثناه من علاقات مع آبائنا فنتنازل عن هذه الفوقية التى نعامل بها أبناءنا ونهبط معهم إلى معترك الحياة لنقف معهم جنبا إلى جنب أمام اللغز الكبير الذى تطرحه تحديات ومعطيات العصر الحالى. التربية التى ننادى بها هى تربية ناقدة تسمح لأبنائنا بالتفكير وطرح الأسئلة حول كل ما يدور حولهم من أحداث. تربية حرة لا تقيد التفكير بدعوى شعارات زائفة أو قيم موروثة ما أنزل الله بها من سلطان. لم يعد يكفينا أن نمد أبناءنا برصيد قيمى أو دينى ثم نتركهم وحيدين فى هذه الحياة، أولا الآثار الخارجية:
1 - إتاحة الوصول السريع لكل ما هو معروض ومتاح بسبب السرعة والانفتاح، وإذا كانت السرعة فى عرض المفهومات التربوية الإيجابية غير صحية فى تنشئة الطفل والمراهق، حيث يجب مراعاة المرحلة العمرية فى تقديم المفهومات ومراعاة الوقت فى ترسيخها، فما ظنك حينما تكون ميزة السرعة التى توفرها تلك الوسائل الحديثة مستغلة فى الوصول إلى المفهومات الفاسدة وتعلم العقائد والثقافات والأفكار والعادات الباطلة والسيئة؟!
فقبل انتشار الوسائل الحديثة كان الوالدان يستطيعان التحكم فى التغذية العقلية للطفل، فيتحكمان فيما يسمع وفيما يقرأ وفى الأماكن التى يرتادها وفى تكوين الصداقات، لكن الوسائل الحديثة الآن، بما توفره من سرعة وانفتاح، تهدم سيطرة الوالدين وتخرجهما تمامًا من التأثير فى العمل التربوى.
2 - الإخلال بتقديم الأولويات التربوية، ومن ثم تيسر الوسيلة للوصول المبكر لمفهومات اجتماعية قبل وقتها، عبر ما يعرض من ألعاب أو أفلام أو إعلانات متلاحقة، كمفهوم العلاقة بين الرجل والمرأة، فيراها طفل لم يبلغ الخامسة أو السادسة، وفى كثير من أفلام الأطفال، التى تحوى فى مضمونها وإسقاطاتها عوامل هدم وفساد، وإذا ذهبنا إلى ما بعد الطفولة، فهناك الأفلام والأغانى والبرامج التافهة والإعلانات الساقطة، التى تعمل على إثارة الشهوات وغرس الرذائل، مما له تأثير ضار فى الإنسان، وخصوصًا فيمن هم فى سن المراهقة.
3 - تقديم المواقف بصورة ممثلة مصحوبة بمؤثرات مرئية وصوتية، وهى ميزة لها آثار إيجابية كثيرة ونافعة، لكن مع ذلك لها آثار غير صحية فى التربية، قد تضر بالنفس والعقل إذا ما تُركت مطلقة بلا ترشيد أو توجيه، إذ تؤدى إلى ملء خيال الطفل بها، مما يؤدى إلى ثبات هذه المواقف فى الذاكرة بصورة قوية وملحة، والخطر هنا يكمن فى أن تكون تلك المواقف والمشاهد غير مناسبة لسن الطفل أو المراهق، أو مواقف فاسدة، أو مواقف مفزعة تسبب الفزع للطفل فى أثناء النوم، أو تزرع فيه الخوف والقلق والاكتئاب، أو مواقف دافعة لارتكاب الجرائم والفواحش لما تقدمه من شخصيات خيالية مفزعة تتمتع بقوى خارقة، وتقوم مواقف الفيلم كلها على الصراع والتدمير، كذلك الحال فى ألعاب «الفيديو جيم» التى ينتشر فيها الصراع الدموى العنيف، وهى ألعاب لا تزرع الشجاعة والقوة فى نفس الطفل والمراهق، بل تزرع فيه إما العنف والقسوة والظلم، وإما القلق والخوف.
4 - تأثير فى القدرة على التصور العقلى، إذ يعتاد العقل مشاهدة كل شىء مصور أمامه، جامد على الصورة المشخصة التى تقدمها اللعبة أو فيلم الكارتون، فيضعف فيه حس الخيال والتصور النظرى، بل قد يصل الحال إلى عجزه عن تصور مسألة حسابية سهلة وحلها دون كتابتها على الورقة، بسبب ما قد تصيب به تلك الوسائل العقل من سلبية فى التلقى، إذ ينبغى أن تكون مزيجًا من التفاعل بين السماع والرؤية والنقاش والتفكير، وللحديث بقيه، إنشاء الله تعالى.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
haitham
مقال رائع في التربية