الانبا ارميا

فقدان المبادئ!

الإثنين، 27 يونيو 2016 11:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
"رأيته وعيناه ممتلئتان بالدُّموع، تحاولان الفِرار من جميع الأعين خَشية اكتشاف أمرهما؛ وفى أحرف تحمل أنينًا أقرب إلى أصداء صراخ تائه فى وادى الألم منها إلى كلمات، قال: كنتُ أتوقع الغدر والخيانة ذات يوم فى رحلة الحياة! لٰكن لم يمر بخاطرى أن تكون الصفعة منه: الصديق! الذى صار ذات يوم أقرب لى من نفسى!! وأشاح بوجهه بعيدًا فى صمت عميق، ورحل بعيدًا مع ذكريات كانت ذات يوم أغلى ما يملِك!".

الغدر والخيانة والغش كلمات تتردد بين كثيرين، وهى تحمل ذكريات يهرُب منها كل من التقاها فى الحياة. ولُغويًّا كلمة "خيانة" هى من الفعل "خانَ" ، بمعنى "الغدر"، مثل: "خانَ أصدقاءه أى لم يحافظ على العهد، أى غدَر بهمْ"، و"خانَ العهد ويعنى أنه نقَضه، أى لم يرعَ عهده"، و"خانَ وطنه أى تخلَّى عن واجب المواطنة والإخلاصِ للوطنِ"، و"خانَ الأمانة وتعنى لم يؤدِّها"؛ وهٰكذا تُصبح الخيانة سمة تناقض الأمانة.

وتتعدد أنواع الخيانة فى الحياة، وبإطلالة سريعة على ما أوصت به الأديان والمعتقدات جميعها، بل الأعراف والقوانين الإنسانية، نرى رفضًا وتحريضًا على الابتعاد عن أى نوع من أنواع الخيانة، وكما يقولون: "الصداقة سفينة يحركها الوفاء وتُغرقها الخيانة"، وإن كنتُ أومن أن الحياة التى تَسيرها الإنسانية معًا هى رحلة قد لا يبدؤها الجميع معًا، ولا ينتهون منها معًا، إلا أنهم يُبحرون فيها معًا فى كثير من أجزائها؛ وبذٰلك، خيانة فرد من أفرادها قد يؤدى إلى تدمير العَلاقات الإنسانية والثقة والأمان بين البشر، ويُصبح العالم أشبه بغابة كبيرة لا تؤدى بالإنسان إلا إلى التيه .

أحد أوجه الخيانة يتمثل فى عدم حفاظ الإنسان على عهده مع الآخرين، أو خيانة الأمانة التى عُهد بها إليه سواء فى مال أو أشياء ثمينة أو أنفس اؤتمن عليها. كذٰلك كسر الثقة يُعد من أصعب أنواع الخيانة، الذى يُطيح بمشاعر البشر ويغيِّر من بساطتهم وطباعهم إزاء ما تعرضوا له من آلام.

وقد لا تكون خيانة الإنسان لإنسان آخر فقط، بل قد تكون لذاته حين تمتد إلى المبادئ والقيم التى اتخذها لنفسه فى الحياة: فالشخص الذى اختار الأمانة رفيقًا له يخطئ كثيرًا حين يرتد عنها وإن واجه الشدائد؛ إذ كيف يمكن له أن يشعر باحترامه لذاته ولمن حوله، وهو يفقد مبادئه الواحد تَلو الآخر؟! وثِق أنه حين يتخلى عنك البشر، لن تتخلى عنك مبادؤك ولن يبتعد عنك الله ـ تبارك اسمه ـ الذى أوصاك: بالحق، والعدل، والأمانة، والصدق، والإخلاص، والمحبة، والرحمة، وغيرها من مبادئ الحياة.

كذٰلك توجد خيانة الوطن، وهى خيانة عظمى اتفقت جميع بُلدان العالم أنها أصعب أنواع الخيانة، التى يتعرض مرتكبوها لأقصى أحكام فتُوْدى بحياتهم. أيضًا أعتقد أن نوعًا آخر من الخيانة موجَّه نحو الإنسانية بأسرها، ويتجسد ذٰلك النوع فى الخيانة بعمل يدمر أو يسرع بالبشر نحو الدمار: فالحُروب، والقتل، والتدمير، ما هى إلا خيانة لدَور الإنسان فى الحياة. وعن الحياة ما زلنا نتحدث.

• الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأُرثوذكسىّ





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة