لا يعجب البعض استمرار العمل بنظام مكتب التنسيق كجهة فاصلة فى توزيع الناجحين فى الثانوية العامة على الجامعات المصرية، وفى تطورات الحالة التى نعيشها منذ بداية امتحانات الثانوية العامة ومأساة تسريب الامتحانات التى صاحبتها، تعددت الآراء فيما يمكن فعله.
فى مظاهرات الطلاب أمس الأول احتجاجا على إلغاء امتحان الديناميكا، وتأجيل امتحان الجيولوجيا، رفع المتظاهرون شعارات تطالب بإلغاء التنسيق، مما دفع البعض إلى الاعتقاد بأن هذا المطلب له غرض كما أنه موجه لصالح أهداف خبيثة لها علاقة بالتعليم وغير التعليم، ولأننا نعيش حالة فقدان توازن فى هذه القضية وغيرها، فقد نجد أنفسنا أمام جدل يطالب بإلغاء التنسيق، وبالطبع فإن من يقول ذلك سيأتى بتجارب عالمية فى التعليم لا تأخذ بالتنسيق ليستدل منها على رجاحة مطلبه وعدالته، وآفة هؤلاء أنهم يتحدثون عن تجارب فى مجتمعات تعيش حالة من التكامل التى تجعل التقدم فى ميدان يسلم ميدانا آخر، أى أن التقدم فى الديمقراطية وصرامة تطبيق القانون واحترام حقوق الإنسان سيؤدى تلقائيا إلى التقدم فى الصحة والبحث العلمى والتعليم والمجالات الأخرى.
وحتى لا نعلق كل كوارثنا فى مجال التعليم على شماعة «التنسيق» أقول إنه رغم كل عيوبه يبقى أعدل الأنظمة فى مجتمع مثل مجتمعنا الذى يعشش فيه أمراض كثيرة، فهو الذى لا يفرق بين طالب مسلم وطالب مسيحى، وهو الذى يضع الطالب الفقير والطالب الغنى على قدم المساواة والفيصل بين الجميع يكون فى المجموع، أما قصة الحصول على هذا المجموع فأمر آخر له أسبابه.
تميز «التنسيق» بأنه وضع الكل على معيار واحد، فلا مجال فيه للوساطة، ولا مجال للمحسوبية، ولا مجال للقرار السياسى، ولا أنسى أننى كنت فى زيارة لدولة عربية، ورأيت بعينى مسؤولا رفيعا فى دولة عربية أثناء زيارتى لها فى تسعينيات القرن الماضى، يوقع على مذكرة تقدم بها ولى أمر طالب مصرى مقيم فى هذه الدولة من سنوات طويلة يلتمس فيها نقل ابنه من كلية الزراعة إلى كلية الطب، وكان مجموعه لا يسمح بذلك، فوافق المسؤول استنادا على إخلاص الطالب ووالده حزبيا.
ظل هذا المشهد فى ذاكرتى حاضرا كدليل على أننا هنا فى مصر ورغم أى مآخذ على العملية التعليمية لم تخضع لمثل هذه الاستثناءات الكريهة، صحيح أن الجامعات الخاصة كانت مخرجا فى هذه القصة، لكن يبقى أنها هى الأخرى تخضع لنظام التنسيق.
الأمر على هذا النحو يقودنا إلى القول بأن تحميل «التنسيق» كل عيوب العملية التعليمية هو اختصار مخل، وكلام يقف فى تقييم المرحلة التعليمية عند مرحلة واحدة فقط على حساب كل المراحل السابقة عليه
والسؤال: «ماذا لو ألغينا فى الحال نظام التنسيق؟ ما النظام البديل؟ ما النظام الذى يضمن للطالب بأن تتحقق له العدالة فى اختبار يتوقف تقييمه على شخص ما حتى يلتحق بالجامعة وبالكلية التى يرغب الدراسة فيها؟ هل هناك ضمانات لتحقيق العدل المنشود فى التعليم فى ظل بلد أصبحت الوظائف فيه بالتوريث فى قطاعات معينة يعرفها كل مصرى.
إصلاح نظام التنسيق، لابد أن يسبقه إصلاح نظام التعليم، وإصلاح نظام التعليم يحتاج إلى إرادة وخطة وعلم وقناعة بأن التعليم هو السلاح الحقيقى لتقدم الأمم.
هذا ما حدث فى الدول التى تقدمت به وكنا نسبقها بمراحل، حدث فى سنغافورة، وحدث فى الصين، وحدث فى ماليزيا، وحدث فى تركيا، ويحدث الآن فى دول عربية، أما نحن فمازال يحكمنا طريق الفهلوة.