«إيش لون الصحبة معاكى»
«النيل عطشان يا صبايا.. يا شاهندة وخبرينا، يا أم الصوت الحزين، يا أم العيون جناين، يرمح فيها الهجين، إيش لون سجن القناطر، إيش لون السجانين، إيش لون الصحبة معاكى».. هذه الكلمات كتبها الشاعر أحمد فؤاد نجم، وتغنى بها الشيخ إمام، ورددها الناس خلفه وما زالوا يفعلونها، وبطلة الأغنية هى المناضلة الكبيرة شاهندة مقلد التى تعد واحدة من أشهر نساء مصر المناضلات اللواتى دفعن ضريبة حبهن للوطن، ودفاعهن عن فقرائه. «ابنتى العزيزة، اتقى الله فى كل كبيرة وصغيرة.. لا تفعلى سرًا ما تخشينه علنًا، ودافعى عن رأيك حتى الموت».. هكذا كتب القائم مقام عبدالحميد مقلد إلى ابنته «شاهندة» فى «أوتوجراف» ظلت تحفظ كلماته وترددها، فقد نذرت شاهندة مقلد حياتها للقضايا التى آمنت بها، ومنها الحرب ضد الإقطاع، ساعدها على ذلك المناضل صلاح حسين، أستاذها وزوجها وحبيبها وابن عمتها، وعمتها هذه كانت له قصة، فقد سافرت للقاهرة 1919 لتشترى جهاز عرسها، فوجدت الناس يجمعون الأموال للمساهمة فى سفر سعد زغلول والوفد للدفاع عن حرية مصر واستقلالها، فتبرعت بكل ما معها وعادت، أما صلاح فقد استشهد بعد زواجهما بـ 9 سنوات، حيث اغتيل على يد الإقطاعيين فى قرية كمشيش، فارتدت الأسود حدادًا، وفى انتظار تحقيق العدل الضائع.
أما قرية «كمشيش» فأصبحت شهيرة جدًا فى التاريخ المصرى، أما علاقة السادات بإقطاعيى القرية، فظلت شاهندة مقلد ترددها طوال الوقت، قبل صعوده للسلطة تحكى: «ذات مرة استعان الإقطاعيون بمجموعة من المجرمين، واحتلوا قرية كمشيش، وهددوا الأهالى، فالأهالى بعثوا ببرقيات تحكى ما يحدث، السلطة لم تهتم، فاضطر الأهالى للهجوم على المجرمين وقتلوهم، فالسادات وكان عضو مجلس قيادة الثورة عن دائرة كمشيش نزل القرية، واعتقل 25 فلاحًا، وقال لهم إننى أحكم بلا معقّب، وسأقيم لكم المشانق فى كمشيش».
وجعلت شاهندة من «كمشيش» رمزًا للنضال الفلاحى، ومن يوم اغتيال صلاح عيدًا سنويًا يؤكد تواصل النضال، حتى تقرر لجنة تصفية الإقطاع استعادة الأرض المهربة، وفرضت الحراسة على أملاك عائلة الفقى، وتم القبض على كبارها، وتم توزيع الأرض على الفلاحين، أما قصر الفقى فتمت مصادرته، وأصبح قصرًا للثقافة ومركزًا إعلاميًا، وسلمت شاهندة مفاتيح بيتها إلى لجنة من الفلاحين ليستخدمه الفلاحون متى شاءوا، وأسموه بيت الشعب، وتمتد سيرة «كمشيش» عابرة للقارات عندما تلتقى بالمناضل العالمى جيفارا. وفى خطاب عبدالناصر فى عيد أول مايو 1967 قال: «صلاح حسين استشهد بعد 14 سنة من الثورة، وده معناه إن لسه فيه رجعية»، وإذ تأتى النكسة تشكل شاهندة كتيبة من 50 من فلاحى «كمشيش»، وسافرت معهم إلى بورسعيد، وبعد رحيل عبدالناصر يأتى السادات فينتقم ويهدم النصب التذكارى لصلاح حسين، وينفى شاهندة من القرية.
سيظل اسم شاهندة مقلد علمًا فى تاريخ النظال المصرى، ودليلًا على قوة الشخصية المصرية وحبها للوطن.