كان عمر الصبى «كاسيوس مارسيلس» 12 عاما، عندما سرق أحد الأشخاص دراجته الهوائية فذهب إلى الشرطى ليتقدم ببلاغ ضد السرقة، فرأى أن الشرطى يقوم بتدريب مجموعة من الشباب على فن الملاكمة، فانخرط فيها ربما كان ذلك رغبة منه فى أن يمتلك وسيلة دفاع عن النفس ليس أكثر، لكن الأيام كانت تخبئ له مجدا منتظرا، فقصته بدأت من وقتئذ مع الملاكمة التى سيصبح رمزها الأعظم، ومن بوابتها سيكون الرياضى الأعظم فى القرن العشرين بعد أن اعتنق الدين الإسلامى وغير اسمه إلى محمد على كلاى.
تليق سيرة «كلاى» بالعظماء الذين تترابط فى مسيرة حياتهم المواقف النبيلة بالتفوق فى مجالهم، هو ابن الفقراء الذين ينحتون فى الصخر حتى يصعدوا إلى قمة المجد وينظروا إلى معاناتهم بكل فخر.
ربما نجد تحديا من هذا النوع من رياضيين عالميين مثل بيليه ملك كرة القدم الذى كان ماسح أحذية وهو طفل قبل أن يصبح ملك اللعبة الأكثر شعبية فى العالم، ورغم سحر كرة القدم وشعبيتها فإن معجزة كلاى فى أنه امتلك إبهارا جعل الملاكمة وقت خوضه لها لعبة شعبية يترقبها المشاهدون على شاشات التليفزيون، ويتابع الجميع أخبارها فى وسائل الإعلام، وكان كلاى وحده هو كلمة السر فى كل ذلك، بدليل أن الاهتمام الشعبى عالميا بهذه اللعبة تراجع كثيرا بعد اعتزاله.
ومع عظمته فى لعبته إلا أن مجده الشخصى والإنسانى لم يأت منها وفقط، ولأنه جعلها أداة ليعبر بها عن مشاكل ناسه وقومه، أصبحت عظمته مستمدة من أشياء كثيرة، وفى الإجمال أصبح هو الأكثر تعبيرا بين كل الرياضيين عن سيرة القرن العشرين بقسماته النضالية، التى تعاظمت منذ منتصف القرن ضد أقطاب الاستغلال والاستعباد للوصول إلى العدل والحق والخير والجمال، واستقلال الشعوب الفقيرة والبحث عن ذاتها.
كلاى هو ابن الفقراء السود الذين عانوا الاضطهاد فى أمريكا بفضل سياسية التفرقة العنصرية، وبالرغم من أنه «أسود» صار فى عز شبابه رمزا فى أمريكا يلتف حوله الشباب فى قضية ارتبطت باسمه وهى قضية حرب أمريكا ضد فيتنام التى دخل بسببها السجن.
ولد يوم 17 يناير 1942 فى أسرة زنجية فقيرة، وبعد أن تدرب على الملاكمة فاز بالميدالية الذهبية لدورة الألعاب الأولمبية فى روما 1960، وبدلا من أن يكون شخصية مرموقة فى المجتمع بعد هذا الفوز كما توقع هو، فوجئ بأن الواقع العنصرى فى أمريكا ضارب فى الأعماق، فذات يوم تم منعه من الدخول فى مطعم، ولما كشف لصاحب المطعم عن هويته، وأنه الفائز بالميدالية الذهبية لم يتأثر صاحب المطعم ورد بأن المكان مخصص لأصحاب البشرة البيضاء فقط.
كان رد الفعل من كلاى توجهه إلى نهر «أوهايو» ورمى فيه الميدالية الذهبية التى حصل عليها، صائحا: «ما جدوى الاحتفاظ بميدالية لا تتيح لصاحبها تناول وجبة عشاء فى مطعم»، ولم تستطع كل وسائل البحث بما فى ذلك الضفادع البشرية العثور على الميدالية.
فى عام 1965 يتعرف «كاسيوس» على «مالكوم إكس» الذى يرتبط اسمه بجماعة «أمة الإسلام» وهى جماعة معروفة فى أمريكا بإسلامها ونشاطها خاصة وسط الزنوج، وعبر هذا التعارف يعتنق «كاسيوس» الإسلام ويصير اسمه «محمد على كلاى» ليضيف بعدا جديدا فى سيرته، وفى يوم 8 مايو 1967 يضيف إلى سيرته أكبر تحدٍّ يفعله ضد الحكومة الأمريكية، حيث تتم محاكمته بتهمة رفض التجنيد الإجبارى فى الجيش الأمريكى للذهاب ضمن القوات الأمريكية إلى فيتنام، وتقرر المحكمة سجنه 5 سنوات وإلغاء رخصة الملاكمة، وتجريده من لقب بطل العالم.. يتبع