هل الحل أن نلغى مكتب التنسيق؟.. كثيرون يرون أن مشكلة الثانوية العامة والتعليم كلها يمكن أن تحل لو ألغينا مكتب التنسيق، وجعلنا دخول الجامعة بناء على اختبارات إضافية، ولايمانع هؤلاء من شرط حد أدنى للمجموع والمواد المؤهلة.
قد يبدو الحل سهلا لآلامنا ومتاعبنا والثانوية العامة، فى المقابل يرى قطاع آخر أن مكتب التنسيق مع عيوبه يضمن تكافؤ الفرص حتى الآن.
ثم إن مطلب إلغاء مكتب التنسيق يصاحبه مطلب لدى قطاع غير صغير يرى إلغاء تمويل الدولة للتعليم الجامعى وتدعيم التعليم الأساسى حتى الثانوية العامة، وجعل المجانية حسب التفوق، والرد أن من يدعون لذلك هم من حصلوا على تعليم مجانى يرون حرمان الفقراء منه، ويرد هؤلاء بأن التعليم الجامعى الحالى بلا قيمة وأن توجيه الإمكانات إلى التعليم الأساسى يفتح باب تطوير التعليم، ويضرب هؤلاء مثلا بأن حاملى الابتدائية القديمة فى الستينيات يفوقون بعض الجامعيين حاليا فى اللغات والعلوم والثقافة.
هذا الجدل يعنى اختلافات وجهات النظر، وأن بعضنا يطرح اقتراحات يتصور أنها نهائية، بينما الأمر بحاجة لنظرة أوسع، وربما لا يكون مجرد إلغاء مكتب التنسيق فيه حل، أيضا لا يمكن توقع أن يتقدم كل طلاب الثانوية لكليات الطب والصيدلة والهندسة، ومن الصعب ضمان عدالة من يتولون اللعبة بعد إلغاء التنسيق.
وقد سجل العلامة الراحل الدكتور رشدى سعيد، عالم الجيولوجيا الكبير، فى مذكراته، توصيفا لهذه المعضلة، كان يرى أن مكتب التنسيق يوفر المساواة، وبالرغم من عيوبه يبقى نظاما لا يفرق بين المواطنين، ويبعد أى تدخلات أو تفرقة بشرية، خاصة مع وجود أهواء يمكن أن تفتح الباب للواسطة والمحسوبية، وفى نفس الوقت كان الدكتور رشدى سعيد يرى التوسع بالجامعات الإقليمية والتعليم الجامعى عمومًا خطأ، خاصة أنه يتم من دون كوادر واستعدادات، ويروى الدكتور رشدى أنه تم ترشيحه لجامعة إقليمية ونصحه أستاذه بعدم الذهاب حتى لو كان لمنصب أعلى، وتوقع الأستاذ أن يتراجع مستوى التعليم الجامعى والتعليم عموما ما لم يتم وضع قواعد تضمن جودة التعليم.
كان العالم الكبير يؤيد الطموح للتعليم، ويبدى قلقًا من توسع بلا ضمانات، وأن التوسع الكمى بالجامعات مع إهمال البحث العلمى والتأهيل يهدد بتراجع التعليم عموما، على مدى سنوات هناك أسباب كثيرة قادت إلى تراجع التعليم، وحولت الثانوية العامة إلى مشكلة وليست ممرًّا، لكن إلغاء مكتب التنسيق لا يبدو حلا، لكن التعليم يحتاج حلا بعيدا عن الترقيع والحلول الموضعية.. اقتحام مشكلة التعليم يحتاج إلى شجاعة، ومن خلال خبراء حقيقيين وليس مجرد متكلمين تليفزيونيين، تقريرا يقدمه خبراء يشرح لنا ماذا نريد ونفعل لنخرج من تعليم لا يناسب العصر.. نريد أن نعرف لنفهم كيف يمكن الدخول للعصر.