مع شهر رمضان الكريم نكون أقرب للتفكر فى الدين، عن لغو الدنيا الفانية، فيتجدد الإمعان فى سبل تجديد الخطاب الدينى، فالتاريخ يقص أن كل مبتدع منذ مسيلمة الكذاب حتى الآن يأتى برجال دين يبررون، ويبرهنون، ويمهدون، ويحللون لإمامهم ارتكاب المعاصى والقتل والقمع باسم الدين، بل تصوير ما يفعل بأنه ابتغاء مرضاة الله، فيكون الموالون والمؤيدون للإمام هم عباد الله الصالحون، بينما يكون المعارضون هم الفجار الآثمين، فيصبح قتلهم وانتهاكهم جسديًا واجبًا على كل مؤمن، فنرى مشاهد أصحاب اللحى وهم يحملون السلاح فى مواجهة الأبرياء فى سوريا وليبيا والعراق، نراهم وهم يذبحون ويغتصبون تقربًا إلى الله، فهؤلاء يدعون إلى دين آخر، دين فيه غلظة واستباحة للدماء والأعراض، دين غير دين الإسلام. فمن المتواتر بين العوام من الناس عبر الأزمان أنهم يثقون فى رجال الدين أكثر من غيرهم، فيأتمنونهم على دينهم ودنياهم، ويأتمرون بأمرهم باعتبار أنهم الأقرب للخالق، عز وجل، فيما يتفوهون ويفعلون، إلا أن حديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «دُعَاة على أبواب جهنم» قد أراحنا كثيرًا فى تفسير وتوصيف الكائنات التى ظهرت فى زماننا هذا، يتحدثون باسم الدين، يرتدون لحى زائفة، ويفسدون على الناس عقيدتهم وعبادتهم، ويفتونهم بغير الحق الذى أنزله الله.
الآن المنطقة العربية إزاء مواجهة حاسمة مع قوى الشر الثيوقراطية، حيث تؤوّل مجموعات من المتأسلمين النصوص الدينية بتفسيرات ذاتية تمكّنها من الوصول إلى السلطة، مستخدمين أحط السبل، الدسائس والقتل واستمالة الأشخاص بالمال أو الإرهاب والنفاق والكذب على الله، مدعومين من دول تسعى لتفتيت المنطقة بالكامل وإضعافها. فالثيوقراطية هى نظام يستمد الحاكم فيه سلطته أو شرعيته مباشرة من الإله، حيث تكون الطبقة الحاكمة من الكهنة أو رجال الدين، وتعتبر الثيوقراطية من أنواع الحكم الفردى، فلا يجوز لأحد مخالفة الإمام، باعتباره خليفة الله، وقد مرت أوروبا بهذا النوع من الحكم فى العصور المظلمة ما بين القرنين الخامس والعاشر الميلاديين التى وصلت فيها سلطة الكنيسة والكهنة إلى أبعد من إخضاع الشعوب والملوك لسيطرتها، بل إلى الحرمان من دخول الجنة حال الطرد من رحمة الكنيسة، وبإمكانها أيضًا منح صكوك الغفران لمن تشاء أو كيفما اقتضت مصالحها، وسميت تلك الحقبة بالعصور المظلمة لمحاربة الكنيسة لكل عالم ومفكر وفيلسوف يخالف معتقداتها.
أما الإسلام فقد جاء لهدم الحكم الدينى الممثل فى عصمة رجال الدين، ولكن بعض كتّاب المسلمين قد خلطوا بين الحكومة الدينية كما عرفتها أوروبا فى القرون الوسطى، وبين نظام الإسلام، فالحكم فى الإسلام ليس حكمًا ثيوقراطيًا، فالدولة الإسلامية ليست بهذا المفهوم، وعلماء الدين فى الإسلام ليسوا وسطاء بين العبد وربه، فضلاً على أن الدين الإسلامى نفسه ليس به رجال كهنوت، كما أن العلماء أو الحكومة فى الإسلام ليسوا أوصياء على خلق الله، لأن الحاكم ينتخب من الشعب، ويخطئ ويصيب ويحاسب ويعزل، وليس معصوما، وليس فى الإسلام طبقة الكهنوت، وإنما يحكم فى الأمة أفضلها بشروط تقدمها وتختاره على أساسها لإدارة مصالحها فى الدنيا، فمهمة الحاكم فى الإسلام تكاد تكون تنفيذية محضة، سواء عن طريق التنفيذ الحرفى للنصوص، أو الاجتهاد فيما لم يرد فيه نص، وليست سلطة مطلقة، فسلطات الخليفة محدودة بالحدود الشرعية، لا يجوز له أن يتجاوزها، إنما يقوم بتنفيذ أحكام الشريعة بأمانة وإخلاص، فسعينا فى المرحلة المقبلة يجب أن ينصب على تجديد الخطاب الدينى، لنضمن حماية مصر من الحكم الثيوقراطى البغيض، وحتى تنتهى مظاهر تعدى المتأسلمين على المنطقة وممارسة القتل والقمع والتنكيل باسم الدين، فمصر قد عرفت تعاليم الإسلام منذ 14 قرنًا، والشعب المصرى من أكثر شعوب الأرض تدينًا، فلن يأتى اليوم مُدّعو التدين ليفرضوا علينا دينًا غير الإسلام، دينهم دين الطمع الذى يعبدون، فكما علّمت مصر من قبل بأزهرها كل العالم علوم الإسلام، وجب لزامًا أن يكون تجديد الخطاب الدينى من على أعتاب الأزهر الشريف الذى بدأ متحركا فى الخارج، لكن مازالنا نحتاج لجهود مضاعفة، توجد فى الداخل المصرى، وتصل لمشارق ومغارب المعمورة.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة