مناضل عظيم لم يتخلف يوما عن نداء الوطن والوجب
هناك صنف من البشر لو لم نجده لاخترعناه حتى تستقيم الحياة، ونتأكد أنه مهما كانت قسوة الأيام وصعوبتها فإن هذا الصنف يعيش من أجل قيم الحق والخير والجمال، ومن أجل الكرم والشهامة والمروءة والعطاء بلا حدود.
وبقدر ما يوجد من هؤلاء فى واقعنا يبقى للكاتب الصحفى والأستاذ والمناضل والإنسان الكبير عبدالعظيم مناف، شفاه الله وأمد فى عمره، مكانة خاصة لدى كل من يعرفه، فهو الرجل الذى تتجسد فيه معانى وقيم العطاء الإنسانى والنضالى بلا حدود، وهو نموذج للانحياز الطبيعى إلى كل قيم التقدم والاستنارة من أجل مصر وأمته العربية التى ترتفع أحلامه لها إلى عنان السماء، وعمل من أجلها قدر استطاعته دون أن يتراجع خطوة واحدة فى معاركه من أجلها ومن أجل كل ما يؤمن به لأمته.
عبدالعظيم مناف ابن قرية «منشأة الحاج» التابعة لمركز «إهناسيا» بمحافظة بنى سويف، هو نموذج للإنسان الذى لم تنسه نداهة المدينة أنه من قرية تقع فى صعيد مصر، وأن البعد عنها هو آفة تلتصق بمثقفين وسياسيين يغرقون فى تفاصيل حياة المدينة على حساب قراهم، وفى الوقت الذى امتلك فيه منذ ثمانينيات القرن الماضى مؤسسة صحفية كبيرة أصدرت مجلة شهرية هى الموقف العربى وجريدة أسبوعية هى صوت العرب، لم تغب عنه قريته بهمومها وأهلها لحظة واحدة، ولهذا يعد نموذجا فريدا للمثقف والسياسى والمناضل فى هذا الجانب الذى يجسد على أرض الواقع ما يؤمن به وما يردده من شعارات.
فى سيرة حياة عبدالعظيم مناف محطات كثيرة يطول شرحها ولا ينتهى الكلام عنها، ففى النصف الثانى من سبعينيات القرن الماضى أصدر مجلة الموقف العربى شهريا، فكانت منبرا عربيا تقدميا بامتياز، وفيما كانت الحياة الحزبية المصرية تتلمس خطاها، ودعاة الإقليمية يخرجون ويهللون ويطعنون فى العروبة وانتماء مصر لها، كانت «الموقف العربى» منبرا فكريا وسياسيا يناضل ضد هؤلاء من أجل الإبقاء على راية العروبة فى مصر، ووقفت المجلة فى الخندق المضاد لاتفاقية «كامب ديفيد» وفتحت صفحاتها للكثير من رموز الفكر والسياسة والنضال وأذكر منهم، الدكتور حامد ربيع والذى نشر كتابه المدهش «أمتى والعالم» حلقات على صفحات المجلة، وللأسف لم يتم تجميعه فى كتاب، وكذلك كتاب «العرب فى قلب العاصفة»، كما كان السياسى والمناضل العظيم فتحى رضوان واحدا ممن أثروا هذه المجلة بكتاباتهم الوطنية الرائعة.
دفع عبدالعظيم مناف ثمن موقفه الوطنى القومى العروبى باعتقاله فى حملة 5 سبتمبر 1981، وهى الحملة التى شملت أكثر من 1500 من الرموز السياسيين، من بينهم محمد حسنين هيكل وعصمت سيف الدولة وفتحى رضوان وعبدالعظيم أبو العطا وفؤاد سراج الدين وغيرهم، وحين خرجوا من المعتقل بعد اغتيال السادات يوم 6 أكتوبر 1918، واصل «مناف» نضاله فواصل إصدار «الموقف العربى» بعد أن حظرها السادات، ولكن كان إصدارها فى المرة الثانية عبر مؤسسة حملت اسمها، وظلت على عهدها، وفى عام 1987 جاءت الخطوة الكبيرة بإصدار «صوت العرب» كجريدة أسبوعية، فكانت المنبر الإعلامى النابض فى معارضته الجذرية لحكم مبارك، حتى ضاق بها النظام فقرر إغلاقها فى هجمة واضحة على حرية الصحافة، كما أغلق «الموقف العربى» والمثير أن هذا حدث فى وقت كان يتشدق فيه مبارك ورجاله بأنه لم يتم فى عهدهم قصف قلم وإغلاق صحيفة، وبالتالى كان «مناف» وتجربته دليل لا يجف عما فعله مبارك من استبداد.
تحية إلى هذا الرجل العظيم الذى لم يتخلف يوما عن نداء الوطن فى كل معاركه، ولم يتخلف عن نداء الواجب الإنسانى، ودعواتنا له بالشفاء.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
ألشعب الاصيل
ربنا يكثر من أمثال عبدالعظيم مناف ويهدف الفاسدين
بدون