ألقت الشرطة الأمريكية كل أقنعة الحرية والديمقراطية والقيم الإنسانية، تحت أقدام تمثال الحرية، وأظهرت وجهها الحقيقى، فاستباحت قتل السود الأبرياء بطلقات رصاص العنصرية المقيتة، والحقيرة، وسحلت النساء من حرائر أمريكا، كما توسعت فى عمليات القبض والاعتقال خارج نطاق القانون، واستخدمت كل أنواع وسائل المكافحة المحرمة من غاز مدمر للأعصاب، ورذاذ الفلفل الحار الذى أصاب عيون المتظاهرين بالتهابات خطيرة، وغيرها من الوسائل التى لو استخدمتها الشرطة المصرية، لوجدنا مطالبات بتقديمها لمحكمة الجنايات الدولية.
الغريب وسط كل هذه التجاوزات الخطيرة للشرطة الأمريكية من قتل وسحل الحرائر واعتقال الأبرياء، اختفى السادة المبشرون بالحرية الأمريكية الذين يتقدمون بكل أنواع القرابين لتمثال الحرية، واعتباره قبلة وقدس أقداس الديمقراطية، ولم نسمع لهم صوتا، أو النبس ولو بشطر من كلمة اعتراض أو احتجاج أو شجب أو إدانة لما يحدث فى شوارع دالاس، وعدد كبير من الولايات الأمريكية.
هؤلاء الذين تفرغوا طوال السنوات الماضية للتبشير بديانة الحرية والديمقراطية فى الدول العربية وفى القلب منها مصر، ولعبوا دورا بارزا فى الدفع بالديانة الأمريكية إلى العراق فوق دبابات ومدافع البيت الأبيض، وإلى مصر وتونس وسوريا وليبيا واليمن، عبر ما يطلق عليه اصطلاحا ثورات الربيع العربى. وتبارى المبشرون بديانة الحرية والديمقراطية الأمريكية فى مصر، على سبيل المثال، بقيادة محمد البرادعى ووائل غنيم وعمرو حمزاوى وباسم يوسف وعلاء الأسوانى ويسرى فودة ونادر بكار، لتصحيح صورة ذهنية عن الديانة الأمريكية، وشرح مزاياها وقوتها الخارقة فى تحول البلاد إلى جنة يقطنها الملائكة وتهجرها الشياطين. وبعد 5 سنوات، اكتشفنا أن ديانة الحرية الأمريكية، سراب ووهم، وعبارة عن «طعم» لاصطياد الأمم فى «سنارة وشبكة» المدمر والمستعمر الأكبر حليف إبليس الأرض، أمريكا، فبينما كان البرادعى ورفاقه يضخمون الأحداث التافهة فى مصر، وتحويلها إلى بكائيات ومأسٍ، وتدشين مصطلحات، الحرية والمجد للشهداء والنشطاء والثوريين والشباب الطاهر النقى والحرائر، واعتبار الاقتراب منهم كفرا وجب إيقاع الحد عليه، لم نجد هذه الشعارات تلوح فى أفق أحداث الولايات المتحدة الأمريكية.
لم نجد مصطلح الحرائر يطلق على النساء «المسحولة» فى شوارع وميادين دالاس، ولم نسمع مصطلح الشباب الطاهر النقى الذى يقتل ضباط الشرطة، وعلى العكس وجدنا قرارات حاسمة بتنكيس الأعلام لمدة 5 أيام كاملة حزنا على الضباط المقتولين.
لم نسمع عن وائل غنيم «الذى يقطن أمريكا» أنه قرر تأسيس صفحة على «فيس بوك» باسم «المواطن الأسود الذى قتلته الشرطة الأمريكية بكل وحشية»، وذلك للتضامن معه، مثلما أسس صفحة للتضامن مع خالد سعيد «الإسكندرانى»، مع العلم أن قتل المواطن الأمريكى الأسود شاهده الجميع صوتا وصورة فى كل وسائل الإعلام العالمية قبل المحلية، ومواقع التواصل الاجتماعى.
لم نرَ تويتة واحدة لرسول الإنسانية الأعظم، محمد البرادعى، تشجب وتدين الشرطة الأمريكية، وتطالب بتطهيرها، وإعادة هيكلتها، ومحاسبة الجناة، وتقديمهم للمحاكمة، ولماذا لا يطالب بإسقاط النظام وطرده من البيت الأبيض، والدعوة لمليونيات تردد شعارات الشرطة بلطجية والحرائر خط أحمر أو حتى «أورانج أو فسفورى»؟! ولم نسمع للخبير المكعبراتى الاستراتيجى عمرو حمزاوى يتحدث عن «الإخوة» السود المهدرة حقوقهم، وإهدار آدميتهم، والمطالبة بأن يكون هناك «مصالحة» شاملة بين السود والبيض، ودمج السود فى الحياة السياسية، وتدشين قانون للعدالة الانتقالية، ولماذا لم يخرج المسفه والمسخف الأعظم الساخر «الأراجوزى» الكبير باسم يوسف، بتويتة ساخرة واحدة، يسخر فيها من أوباما، أو معاونيه أو الشرطة الأمريكية العنصرية كاملة الدسم؟
هؤلاء جميعا بجانب دراويشهم ومريديهم، لا نسمع لهم أى صوت إلا فى مصر، ولا نرى لهم أية أمارة من التأجيج وإثارة الفتن إلا فى مصر، ولا نرى منهم نصحا إلا فى مصر، ولا نرى منهم إبراز مفاتن الذكاء والعبقرية التى يتمتعون بها وتدفع بهم فى مصاف الخبراء الاستراتيجيين الذين يفهمون فى كل شىء إلا فى مصر.
هؤلاء تجار بضائع أتلفها الهوى، وأصبحت فاسدة وعفنة ومضرة، وتناولها كارثة، وأن الدول التى يتخذونها قدوة، خذلتهم، وكشفت كذب شعاراتهم الوهمية، من خلال ممارسات على الأرض تتناقض وتتقاطع تماما مع كل ما تنادى به. والآن، هل يوجد من بين المصريين من يصدق هؤلاء فى أى طرح جديد من تاريخه وحتى يقضى الله أمرا كان مفعولا؟
دندراوى الهوارى
«سحل حرائر» أمريكا لم يثر غضب وسخط البرادعى ووائل غنيم وعمرو حمزاوى!
الثلاثاء، 12 يوليو 2016 12:00 م