كالعادة ولطبيعة جُبلت نفوسهم عليها، بعد أن ترك أبوعبد الله محمد الثانى عشر البلاد، لم يوف النصارى بعهودهم مع المسلمين، بل تنكَّروا لكلامهم والتزامهم بالحفاظ على الحريات الدينية فى غرناطة، وحماية الأماكن المقدسة للمسلمين، وما إلى ذلك مما ورد فى شروط تسليم المدينة، فقد أهانوا المسلمين بشدة، وصادروا أموالهم، وكان ذلك مصداق قوله تعالى: «كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ» «التوبة: 8».
هكذا بدأ الدكتور راغب السرجانى دراسته التى حملت عنوان. «مآسى المسلمين بعد سقوط غرناطة» حيث يقول د. السرجانى «وبعد تسع سنوات من سقوط غرناطة، وفى سنة 1501م أصدر الملكان فرناندو الخامس وإيزابيلا أمرًا كان خلاصته أنه لَمَّا كان الله قد اختارهما لتطهير مملكة غرناطة من الكفرة «المسلمين»، فإنه يحظر وجود المسلمين فيها، فإذا كان بعضهم فإنه يحظر عليهم أن يتصلوا بغيرهم، خوفًا من أن يتأخر تنصيرهم، أو بأولئك الذين تنصروا لئلاَّ يفسدوا إيمانهم، ويعاقب المخالفون بالموت أو بمصادرة الأموال، وقد سمَّوْا هؤلاء الذين تنصروا بالمورسكيين، احتقارًا لهم، وتصغيرًا من شأنهم، فلم يكن المورسكى نصرانيًّا من الدرجة الأولى، لكنه كان تصغيرًا لهذا النصرانى الأصيل.
ويقول د. السرجانى «وقد نقل إلينا الدون لورنتى مؤرِّخ ديوان التحقيق الإسبانى وثيقة من أغرب الوثائق القضائية، تضمنت طائفة من القواعد والأصول التى رأى الديوان المقدس أن يأخذ بها العرب المتنصرون فى تهمة الكفر والمروق، وإليك ما ورد فى تلك الوثيقة الغريبة: «يعتبر الموريسكى أو العربى المتنصر قد عاد إلى الإسلام إذا امتدح دين محمد، أو قال: إن يسوع المسيح ليس إلهًا، وليس إلا رسولاً.
أو أنَّ صفات العذراء أو اسمها لا تناسب أمه، ويجب على كل نصرانى أن يُبَلِّغَ عن ذلك، ويجب عليه، أيضًا، أن يُبَلِّغ عما إذا كان قد رأى أو سمع بأن أحدًا من الموريسكيين يُباشر بعض العادات الإسلامية، ومنها أن يحتفل يوم الجمعة بأن يرتدى ثيابًا أنظف من ثيابه العادية، أو يستقبل المشرق قائلاً باسم الله، أو يوثق أرجل الماشية قبل ذبحها، أو يرفض أكل تلك التى لم تذبح، أو ذبحتها امرأة، أو يختن أولاده، أو يسميهم بأسماء عربية، أو يُعرب عن رغبته فى اتباع هذه العادة، أو يقسم بأيمان القرآن، أو يصوم رمضان، ويتصدق خلاله، ولا يأكل ولا يشرب إلا عند الغروب، أو يتناول الطعام قبل الفجر، السحور، أو يمتنع عن أكل لحم الخنزير وشرب الخمر، أو يقوم بالوضوء والصلاة، بأن يُوَجِّه وجهه نحو الشرق، ويركع ويسجد، ويتلو سورًا من القرآن، أو أن يتزوج طبقًا لرسوم الشريعة الإسلامية، أو ينشد الأغانى العربية، أو يُقيم حفلات الرقص والموسيقى العربية، أو أن يستعمل النساء الخضاب، الحناء، فى أيديهن أو شعورهن، أو يتبع قواعد محمد الخمس، أو يلمس بيده على رؤوس أولاده أو غيرهم، تنفيذًا لهذه القواعد، أو يغسل الموتى ويكفنهم فى أثواب جديدة، أو يدفنهم فى أرض بكرٍ، أو يغطى قبورهم بالأغصان الخضراء، أو أن يستغيث بمحمد وقت الحاجة واصفًا إياه بالنبى ورسول الله، أو يقول: إن الكعبة أول معابد الله، أو يقول: إنه لم ينصَّر إيمانًا بالدين المقدس، أو أن آباءه وأجداده قد غنموا رحمة الله، لأنهم ماتوا مسلمين.. إلخ
أما عن التهجير فقد كتب د. السرحانى فى دراسته «التهجير» هو طرد الموريسكيين من الأندلس فلم تخل البلاد الإسلامية من ثورات شعبية ومواجهات محدودة الإمكانيات بمنطق «حرب العصابات»، وكان المجاهدون يختبئون فى الجبال والأودية والمناطق البعيدة، ثم يشنُّون غاراتهم على القوات الإسبانية، وقد نجحوا كثيرًا فى إنزال خسائر مؤثرة بالإسبان، وقد اشتدت هذه الحركات، لاسيما بعد قرار التنصير الذى اعتمدته إسبانيا، فزاد عدد الثائرين والمنحازين للمجاهدين، وقد عزم الإسبان فى البداية على القضاء على الثوار، إلا أنهم فشلوا فى ذلك فشلاً ذريعًا، فلما يئسوا من القضاء عليهم، أصدروا عفوا عامًّا عنهم، وسمحوا لهم بالهجرة إلى بلاد المغرب، دون أن يأخذوا معهم غير الثياب التى كانت عليهم، أما الباقون فقد كان ثمة أمر ملكى بمنع الهجرة، ثم صدر الأمر بعد ذلك عام «1609م»، أى بعد مائة سنة تقريبًا، بنفى الموريسكيين.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة