الإدارة المقبلة مجبرة على التركيز داخليا
لا أمل فى تغيير جذرى لما يحدث بالعالم إلا برحيل الإدارة الأمريكية الحالية، وعلى رأسها حسين باراك أوباما ومشروعه الجهنمى لتدمير المنطقة العربية، وتأكيد صورة الإسلام باعتباره العدو الأكثر شراسة وفرض السياسات العنصرية ضد السود والأجانب، يخطئ من يعتقد أن الخطر الأكبر على أمريكا والعالم فى انتخاب ترامب الجمهورى رئيسا للولايات المتحدة، لأن أمريكا فى ظل الإدارة الحالية أصبحت دولة عنصرية عدوة لكثير من مواطنيها قبل أن تكون عدوة لدول كثيرة فى العالم وحتى انتهاء 2016، عام الانتخابات الرئاسية الأمريكية، لن تتوقف الحرب العالمية التى خطط لها أوباما للسيطرة على أركان الأرض الأربعة بعد انتهاء حقبة العالم أحادى القطب التى تجلت بفعل انهيار الاتحاد السوفيتى، وعدم جاهزية الصين والهند لسد الفراغ الذى تركه السوفيت، واختيارت أوروبا التبعية بدلا من المواجهة لسياسات أمريكا.
الوضع تغير خلال السنوات الثلاث الماضية، فالصعود الاقتصادى الصينى غير المسبوق، وتفوقها على الولايات المتحدة فى إجمالى الناتج القومى ومعدلات النمو وحركة التجارة عبر العالم، وكذا استعادة روسيا لميراث الاتحاد السوفيتى السابق رغم الحصار المفروض عليها، واستعدادها للعب دور عالمى يتجاوز حدودها ويؤكد التوازن الدولى من جديد، دعا واشنطن للتفكير فى خطط بديلة للإبقاء على حقبة القطب الواحد، ومنع تآكل سيطرتها على العالم.
الاستراتيجية الأمريكية الجديدة تعتمد على شن حرب عالمية ذكية تتم السيطرة عليها جغرافيا بدعوى الحرب على الإرهاب، ولكنها عمليا تهدف إلى تدمير المنطقة العربية، وضرب الأسواق الصينية، وتحجيم صعودها الاقتصادى، ومنع روسيا من الوصول للمنطقة الدافئة فى الشرق الأوسط، واحتواء أوروبا نفسها لتظل تابعة فى الفلك الأمريكى. ولا مانع أيضا من تصميم عمليات إرهابية فى بعض الدول الأوروبية التى تبدأ التململ من التبعية الأمريكية أو تتحرك وفق مصلحتها الوطنية اقتصاديا وسياسيا، لذلك كان من المنطقى أن تكون فرنسا التى بدأت تصدير التكنولوجيا والأسلحة لمصر وعدة دول عربية ضحية للعمليات الإرهابية ذات الطبيعة الاستخباراتية، وليس بريطانيا مثلا التى تأوى قيادات الإخوان وعددا من أخطر المتطرفين الهاربين من أحكام بالسجن والإعدام فى بلادهم الأصلية.
وفى مواجهة الاستراتيجية الأمريكية شهد العالم ردود فعل لا يمكن تجاهلها ومنها تعظيم التعاون بين أعضاء اتفاقية «بريكس» التى ضمت الصين وروسيا والبرازيل والهند وجنوب أفريقيا، كما تجلى فى زيادة التعاون الاقتصادى بين بكين وموسكو بصورة تجعل من تحالفهما السياسى فى مواجهة واشنطن والغرب أمرا واقعا، فبعد أزمة أوكرانيا وضم روسيا للقرم والحصار الأوروبى على موسكو وقعت روسيا والصين اتفاقية بقيمة 400 مليار دولار أمريكى لإمداد الصين بـ 38 مليار متر مكعب من الغاز سنويا لمدة ثلاثين عاما عبر خط أنابيب عملاق يقترب من ثلاثة آلاف كيلو متر إلى إقليم هيلونج جيانج، كما وقع البلدان اتفاقية إطارية لتوريد ثلاثين مليون متر مكعب من الغاز عبر خط أنابيب آخر من غرب سيبيريا إلى إقليم شينج جيانج الصينى.
كل من الصين وروسيا لايتبنيان الاستراتيجية الأمريكية فى تدمير البلدان العربية شرق وجنوب المتوسط، وكلاهما يرفض الحرب على الشعوب الإسلامية التى تديرها واشنطن بدعوى الحرب على الإرهاب، ويساندان الدول العربية فى تجريم المنظمات الإرهابية وفى مقدمتها جماعة الإخوان، وما يمنع أوروبا من اعتماد المنهج نفسه هو الضعط الذى تمارسه الإدارة الأمريكية لشيطنة المسلمين وبناء العدو الإسلامى الذى تواجهه الحضارة الغربية، من خلال إنشاء ودعم المنظمات الإرهابية الدموية مثل داعش وجبهة النصرة والإخوان وغيرها.
المفاجأة التى يمكن أن تدفع الإدارة الأمريكية المقبلة إلى مراجعة سياساتها التدميرية تجاه الشرق الأوسط وربما العالم، موجة الاحتجاجات المتصاعدة للمواطنين السود ردا على جرائم الشرطة العنصرية تجاههم، والذى بدأ يتخذ طابع العنف المسلح، كما اجتذب موجات مؤيدة من المهاجرين الملونين واللاتين والبيض المقهورين، ليبدأ فى الولايات المتحدة ربيع جديد سيجبر الرئيس المقبل جمهوريا كان أم ديمقراطيا على الانكفاء على الداخل لاحتواء الثورات الصغيرة وموجات الاحتجاجات التى تندلع من ولاية إلى أخرى تلقائيا رفضا لميراث العنصرية والعنف البغيضين.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة