المنهج الأمريكى فى صناعة الأتباع واحد لا يتغير، فالإدارات المتتابعة التى توارثت خبرات تدجين الهنود الحمر، واختراق صفوفهم، واجتذاب عناصر منهم لينسلخوا عن مجتمعاتهم الصغيرة فى المعازل التى انتهوا إليها، ويعبروا عن وجهة النظر الاستعمارية البيضاء تجاه أصحاب الأرض الأصليين، هى نفسها التى تطبق منهج الاجتذاب تجاه من تراهم صالحين للدور من أبناء المجتمعات المحلية، لتتم أمركته، وصقل مهاراته الانتهازية، وتعطشه للسلطة وجشعه. وسواء ظل يعمل ويمر فى المجتمع الأمريكى، أو أعيد سريعًا إلى بلده الأم، يتم تكليفه بالدور والمهام المطلوبة منه، وفق المصالح الأمريكية المباشرة، والتى غالبًا ما تتعارض مع المصالح الوطنية لبلده الأم. و«شطارة» التابع الجديد أن يثبت للسفارة الأمريكية فى بلده، ولمتابعيه من الأجهزة فى واشنطن دى سى، أنه يمكن الاعتماد عليه دائمًا، وكلما نال إشادات وتوصيات من السفراء الأمريكان أو السياسيين المتنفذين فى إدارة الحزب الحاكم، زادت فرصته فى أن يكون يومًا كرزاى بلاده، يهبط من المجهول بالزى المحلى، ليتولى منصب المندوب السامى الأمريكى فى تلك العاصمة المحلية البعيدة والفقيرة، والتى تحتل أهمية ما فى دائرة اهتمام واشنطن، ربما لثرواتها الطبيعية، أو لموقعها الجغرافى، أو لإفقاد المنافسين الكبار إمكانية السيطرة عليها.
من كان يعرف حامد كرزاى الذى هبط بالباراشوت على رئاسة أفغانستان بعد مشاركته القوات الأمريكية فى إسقاط حركة طالبان 2001؟.. صحيح أنه بدأ العمل السياسى شابًا فى بلاده، لكنه نوّع من العمل الاستخباراتى المشبوه لصالح واشنطن، الأمر الذى يؤكد أنه أحد الأتباع المحليين الذين يجرى إعدادهم لدور أو مهمة، فقد عمل على إسقاط نظام الرئيس نجيب الله الموالى للسوفييت، وتم نفيه إثر ذلك إلى باكستان، وتولى إمداد المقاتلين الأفغان والمرتزقة بالمال والسلاح لقتال السوفييت الذين دخلوا أفغانستان دفاعًا عن نجيب الله، وبعد انسحاب السوفييت سافر إلى الولايات المتحدة، وانقطعت أخباره عن بلاده، رغم وراثته زعامة قبيلة بوبلزى البشتونية، ولم يسعَ يومًا رغم تاريخ عائلته وقبيلته للعب دور وطنى مستقل لإنقاذ بلاده، مثل أحمد شاه مسعود، وبرهان الدين ربانى، وقلب الدين حكمتيار، لكنه قبل أن يعود لبلاده مع الدبابات الأمريكية، ويقود عناصر البشتون الذين ينتمى إليهم، ليكتسب شرعية فى معارك إسقاط طالبان، وعاصمتها الفعلية قندهار، ثم يتولى الحكم باسم الأمريكان لا لشىء إلا تأكيدًا لانتزاع هذه المساحة الجغرافية الوعرة من قبضة السوفييت، والاقتراب أكثر وأكثر من المجال الحيوى والأمنى لموسكو.
نموذج حامد كرزاى إذن يقاس عليه، ويستدل به على غيره من الأتباع المحليين الذين نراهم يكبرون تحت أعيننا فى رعاية السفارة، أو يجرى تلميعهم بشكل مفاجئ للعب أدوار فى أزمنة الاستضعاف، والقائمة تطول فى مصر والعالم، ويكفى أن نضع أسماء سيد قطب، ومحمد البرادعى، ومحمد مرسى، وعصام الحداد، وإبراهيم منير، وعمرو حمزاوى، وأيمن نور، ونادر بكار فى جملة مفيدة، ونحاول معرفة الرابط بينها، لنكتشف على الفور المنهج الأمريكى فى صناعة الكوادر، وتهيئتها لأدوار حاليًا أو فى المستقبل.
من بين هؤلاء المفضوحين يتمتع نادر بكار بإصرار كبير على أن يمضى فى الأمركة حتى نهاية الشوط، مراهنًا على تقديم الولاءات لواشنطن علنًا، فهو لا يستنكف عن النوم على أعتاب السفارة الأمريكية، انتظارًا للسماح له بنصف ساعة يقسم خلالها على القرآن والتوراة أنه ساعد الإخوان على الوصول لحكم مصر، وأنه وحزبه الأحق بخلافتهم لو حظوا بدعم الأمريكيين، ولا يخجل من أن يكرر موقفه فى واشنطن من خلال بعثة حزبه لطرق أبواب المساعدة والتزكية، ليلعبوا دورًا أكبر فى المرحلة المقبلة، مذكرين الراعى الأمريكى بقواعدهم فى الشارع، طبعًا قبل أن ينكشفوا فى الانتخابات البرلمانية الأخيرة.
بكار أو كرزاى يعرف أن مصر عبرت مرحلة نقص المناعة، وأن الموجة العاتية للفوضى الأمريكية انحسرت، لكنه يراهن على الموجة المقبلة بعد عشر سنوات أو عشرين سنة، وساعتها سيكون قد تولى رئاسة الحزب وزعامة المجموعة البرلمانية لحزبه، وقدم فى الوقت نفسه ما يؤكد أنه حصان أمريكى يمكن المراهنة عليه.. احلم يا بكار، وناور بعيدًا عن القاعدة الوطنية للعمل السياسى، ولكن عليك أن تزور أضرحة الحسين والسيدة زينب والسيدة نفيسة بين حين وآخر، ففيها الكثير من الدروس والعبر.
كريم عبد السلام
نادر كرزاى.. منهج الأجهزة الأمريكية فى صناعة الأتباع لا يتغير
الجمعة، 15 يوليو 2016 02:00 م