القضاء على القمامة يحتاج خطة استراتيجية
سبب السؤال هو الدعوة إلى حملة تستمر أسبوعا بمحافظات مصر تحت شعار «حلوة يا بلدى» التى تبدأ صباح اليوم السبت. ومع تقديرى لأصحاب الحملة وحسن نواياهم ودوافعهم الوطنية ودعوتى لدعمهم والمشاركة فى الحملة من كل الجهات الرسمية والشعبية، إلا أن مسألة النظافة والقضاء على أكوام القمامة وحسن التصرف فيها واستغلالها الاستغلال الجيد بما يفيد الاقتصاد المصرى لا تكفيها حملة أسبوعية ولا شهرية، وإنما خطة استراتيجية وإرادة سياسية ومجتمعية حتى تتحول قضية النظافة إلى سلوك وثقافة ووعى مجتمعى شامل يشارك فيه الجميع، وليس هيئات النظافة فقط فى المحافظات أو المحليات أو وزارة الشباب والرياضة. فالسلوك والثقافة تبدأ من التربية فى المدرسة والمنزل وأماكن العبادة لرفع الوعى لدى الناس بخطورة القمامة وأهميتها فى نفس الوقت كمصدر للدخل الفردى والقومى. مشكلة النظافة تكمن فى الوعى ولن نقول عدم النظافة، لأن كل الأديان ترتقى بالنظافة الشخصية والعامة إلى مرتبة الإيمان، إذن لدينا مشكلة عدم وعى وغياب الثقافة العامة، إلى جانب تقصير حكومى فى وضع حلول غير تقليدية للاستفادة من أطنان القمامة فى مدننا، خاصة فى العاصمة.
يمكن أن نستفيد من حملة «حلوة يابلدى» وأدعو الجميع للتفاعل معها، بتخصيص أسبوع من كل شهر للحملة حتى تتحول إلى سلوك دائم بالتعاون مع الحكومة التى عليها أن تبدى جديتها واهتمامها بالقضاء على المشكلة التى تؤرق جميع المصريين وتسىء إلى صورة مصر أمام زوارها وضيوفها. أو أمام المصريين الذين يسافرون للخارج ثم يعودون وفوق ألسنتهم سؤال لا يجد إجابة «ليه بلدنا فيها زبالة كدة فى الشوارع».
المفارقة أن دول العالم بدأت تستفيد من الزبالة وتبتكر فى طرق التخلص منها وتحويلها إلى مصدر للدخل القومى إلا مصر للأسف رغم الأبحاث والمقترحات والحلول والابتكارات التى تمتلأ بها أدراج الحكومة.
وكلها تؤكد أن القمامة فى مصر تعد من أغنى أنواع القمامة فى العالم، فسعر الطن الواحد حوالى 6 آلاف جنيه، لأنه يحتوى على مواد عضوية وصلبة، يمكن أن توفر لمصر 9 ملايين طن من السماد العضوى، عن طريق تدوير القمامة لزراعة مليونى فدان، ترتفع إلى 14.5 مليون طن، بحسب الإحصاءات فى نهاية عام 2016، وإنتاج 3 ملايين طن ورق و248 طن زجاج و336 ألف طن حديد. والحمد لله لا تنقصنا الزبالة، فمصر تنتج ما يقرب من 75 مليون طن قمامة، بمعدل يومى يصل إلى 55 ألف طن، نصيب القاهرة وحدها 20 ألف طن. فاين العطلة هل هو غياب الإرادة أم هواية تحمل الخسائر. فتجاهل قضية القمامة والنظافة تكلف مصر سنويا حوالى 10 مليارات جنيه بسبب اضرار القمامة، بل الحكومة تنفق حوالى 24 مليار جنيه على تكلفة التدهور البيئى.
كل هذه الأرقام معروفة للجميع لكن لا أحد لديه الإجابة عن السؤال المحير والمزمن عن الفارق بين مصر وباقى الدول الأخرى، وربما دول أكثر فقرا وأقل إمكانيات من مصر، ومع ذلك تبرز المقارنة فى نظافة الشوارع والميادين والحدائق العامة.
غياب العقل الاستثمارى فى قضية القمامة والنظافة يدعو للدهشة، فالاستثمار فى هذا المجال يدر أرباحا طائلة مثل ما يحدث فى بعض الدول الأوربية والآسيوية ويفتح المجال للتشغيل والتصنيع ويوفر مليارات الجنيهات لخزينة الدولة والاستفادة من أطنان القمامة حتى تصبح نعمة لا نقمة لمصر والمصريين. هل نحتاج إلى مجلس أعلى ومشروع قومى للاستفادة من القمامة، فالحلول موجودة والأبحات تزدحم بها إدراج مراكز الأبحاث فى مصر. دعواتنا أن تنجح حملة «حلوة يا بلدى» فهى خطوة فى طريق أميال القضاء على القمامة، وجعل مصر نظيفة لكن أسبوعا واحدا لا يكفى.