نعانى منذ سنوات من فوضى الإعلام، وهناك شكاوى وانتقادات ومقترحات لتنظيم هذه الفوضى غير الخلاقة، وأعتقد أن مشروع قانون تنظيم الإعلام الموحد هو أحد المقترحات، لأن القانون وحده غير كاف، فثقافة العمل الإعلامى والعادات السائدة وقواعد التنظيم الذاتى والتدريب والتقييم، كلها عناصر ربما تفوق فى أهميتها القانون الموحد، خاصة أن القانون المقترح فيه ثغرات وعيوب قاتلة، سأكتفى اليوم بمناقشة سكوته الغريب والمريب عن فوضى الإعلانات، وعن العلاقة بين الإعلام والإعلان، بالرغم من أن الأخير هو الذى يمول ويتحكم فى الإعلام.
تعامل مشروع القانون الموحد للإعلام بسذاجة مع الإعلان، فاهتم فقط بمنع الجمع بين العمل الصحفى وبين العمل فى مجال جلب الإعلانات أو الانتفاع من المعلنين، ولم يتطرق إلى تنظيم العلاقة بين مجمل الأنشطة الإعلامية والإعلانات، لا سيما التداخل بين ملكية وكالات الإعلان وملكية وسائل الإعلام، سكت مشروع قانون الإعلام الموحد عن تنظيم ظاهرة الاحتكار فى مجال الإعلان، بالرغم من أن القانون يدّعى الشمول فى تنظيم الظاهرة الإعلامية، ومواجهة سيطرة وكالات الإعلان العربية والأجنبية على الشاشات والصفحات المصرية، وهى أمور بالغة الأهمية تحتاج إلى ضبط وتقنين.
مشروع القانون الموحد للإعلام يعيش فى الماضى، ولم يستوعب حقيقة فرضها الانفتاح الاقتصادى واقتصاد السوق، وهى أن الإعلان هو الذى يقود الإعلام وليس العكس، وبالتالى لكى نضمن حرية الإعلام وننظم أوضاعه، لا بد من تنظيم أوضاع الإعلان، والنص صراحة على منع الاحتكار فى الإعلان، وعلى حقوق الإعلام مقابل توحش الإعلانات، وعلى حقوق المواطن فى مشاهدة إعلانات نظيفة وبنسب محددة لا تزيد مثلا عن خُمس الوقت المخصص لبث مضامين إعلامية ومسلسلات وبرامج وأفلام، طبعا سيقول البعض: إذن كيف تغطى القنوات الخاصة مصروفاتها إذا فرض القانون ألا تشغل الإعلانات سوى خُمس أوقات البث؟ والإجابة بسيطة جدا لأننا لن نخترع العجلة من جديد أيها السادة، ارفع من سعر دقيقة الإعلان أو سعر مساحة الإعلان فى الصحف وستحصل على الدخل المطلوب، وهو ما يحدث فى العالم المتقدم.
لا أريد أن أدخل فى تفاصيل كثيرة عن الإعلان والإعلام وأهمية الربط بينهما، لكن أؤكد على ضرورة أن يغطى قانون الإعلام كل الظواهر الإعلامية، وهو منحى إيجابى ومطلوب، لكن لا أعرف كيف ادعى قانون الإعلام أنه موحد وشامل، بينما تجاهل الإعلان، وقناعتى بأن هذا القصور جاء من مواد الدستور الخاصة بالإعلام، التى لم تشر بوضوح إلى ضرورة ضبط وتنظيم مجال الإعلانات وعلاقته بملكية الإعلام وحريته، والمفارقة هنا أن لجنة الخمسين المحترمة كان من بين أعضائها صحفيون وإعلاميون كبار، ولكنهم لم يهتموا أيضا بتنظيم وضبط مجال الإعلانات.
عموما أمامنا فرصة لتغطية قصور الدستور ومشروع لجنة الخمسين فى التعامل مع إمبراطورية الإعلان، المحلى والأجنبى، وذلك من خلال أولا: إضافة بعض المواد إلى مشروع تنظيم الإعلام الموحد تتعلق بمنع الاحتكار فى مجال الإعلانات، الذى تُستثمَر فيه أموال هائلة، تحتاج إلى ضبط لضمان الشفافية وعدم التغول على حقوق الإعلام والإعلاميين والجمهور، ثانياً: إصدار قانون مستقل وأكثر تفصيلاً، يتصدى لتنظيم إعلانات الطرق والشوارع والصحافة والإذاعة والتليفزيون والصحافة الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعى، حتى نحمى المجتمع من التلوث البصرى ونضمن حقوق المواطنين، خاصة أن معظم القوانين واللوائح الخاصة بتنظيم الإعلانات قديمة للغاية- صدرت قبل أكثر من نصف قرن- وتجاوزتها ثورة الاتصالات وثقافة الاستهلاك، التى سيطرت على المجتمع والناس.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة