لا أعرف كيف يتحدث الرئيس السيسى بوضوح شديد فى الكلية الحربية عن دولة القانون التى يجب أن تسود وتطبق على كل من يخطئ، ثم نفاجأ بعدها بساعات قليلة بوزارة الداخلية تعلن فى بيان رسمى لها عن انتهاء فتنة قرية أبو يعقوب بالمنيا بالتصالح والإفراج عن 16 متهمًا كانوا سيشعلون المحافظة وربما الدولة كلها بنار الفتنة.
هل هذا هو التطبيق الفعلى لكلام الرئيس أم أن هناك من فهم كلام الرئيس خطأ أم أن هناك من يعمل عكس وخلاف الرغبة الرئاسية التى تريد أن تحصن الدولة من خطر كبير يلوح فى أفقنا ما بين ليلة وأخرى؟
كنت أظن أنه بعد كلام الرئيس سيسود القانون فعلاً وستعمل مؤسسات الدولة المختلفة وفى مقدمتها الكنيسة والأزهر والداخلية على منع حفلات القبلات والأحضان التى دائمًا ما تكون على حساب البلد وحق من راحوا ضحية إجرام حفنة من المتطرفين هنا أو هناك، وستحال كل ملفات الفتنة برمتها إلى القضاء ليقرر فيها وحده ما يراه وفقًا للقانون دون مجاملة أو مراعاة لأى ظرف سوى حال البلد الذى يحتاج حزما وحسما، لكن يبدو أننا ما زلنا نعيش أسرى مسئولين تحكمهم العواطف ويميلون إلى الطبطبة التى لا يستفيد منها إلا مشعلو الفتن.
الحقيقة التى يدركها كل مطلع على هذا الملف أو تعامل معه أنه طالما ظل المجرم متأكدًا أنه سيفلت من العقاب بجلسة عرفية ستظل الفتنة الطائفية ولن تنطفئ نارها بل تزداد يومًا بعد الآخر، فلو أخمدت المصالحات نار الفتنة فى أبو يعقوب بالمنيا فمن الطبيعى جدًا أن تشتعل أخرى فى قرية صفط الخرسا ببنى سويف وثالثة فى أسيوط ورابعة فى أى محافظة أخرى، لأن الحل معوج يراعى الأشخاص ولا يحترم الدولة التى تضار أكثر من أى طرف، فأحداث الفتنة ليست جريمة تخص أطرافها فقط حتى تنتهى بالتصالح، وإنما للمجتمع حق فيها لا يمكن أن نتجاهله.
القضية لابد أن تحسم من جذورها وأن يطبق القانون فقط من خلال القضاء وليس اللجان العرفية، حتى يشعر بل يتأكد من يحاول الفتنة أنه لن يفلت من العقاب لا هو ولا من حرضه أو دفعه لهذه الجريمة، ومن لديهم خبرة فى قضايا الفتنة الطائفية، يعلمون جيدًا أن المحرضين فى هذه الجرائم هم الأخطر على البلد من المنفذين، ولابد أن يحاسبوا مهما علت مواقعهم، شيوخ أو قساوسة، دعاة وأئمة أو رهبان ومطارنة، أو منتمين لتيارات سياسية أو جماعات متطرفة أو حتى مسئولين.
ولتبقى العرفيات وأهل المصالحات يمارسون دورهم فى مرحلة ما بعد محاكمة مشعلى الفتن، فالعرف يصلح ما أفسده هؤلاء لكن لا يجب أن يكون العرف سببًا فى إفلات المجرم من عقاب جريمته ليظل يسعى بفساده ليحرق أرض الوطن.
يا سادة للمرة المليون، المصالحات لن تبنى بلدًا ولن تحمى شعبًا من ويلات الفتنة، وإنما القانون المجرد والقضاء العادل هو الذى سيقطع رءوس الفتنة، وإن لم نفعل هذا الآن فى وجود رئيس يحترم دولة القانون ويصر عليها فلن نفعله بعد ذلك وستسقط مصر فى دوامة يختلقها قلة متطرفة تحركهم المصالح.