ذهبت لمشاهدة فيلم اشتباك فى العرض الخاص وأنا متأثر بالدعاية المضادة التى بدأها التليفزيون الرسمى بتقرير لأول مرة حسب متابعتى يحدث، مهاجما فيلما قبل عرضه ومن أفراد لم تشاهده، وذلك رغم أن دور تليفزيون الدولة أن يدعم القوة الناعمة للدولة ويعظمها وبدلا من أن يقوم بدوره هاجم الفيلم بشراسة، رغم أنه أعاد اسم مصر لمهرجان كان بعد غياب، وما كتب عنه فى دوريات المهرجان كان حريا بالتليفزيون أن يبرزه بدلا من هدمه، ومنه أن نشرة مهرجان كان نشرت أنه من أهم عشرة أفلام عرضت فى كان، وأنه الجوهرة الخفية بالمهرجان، ثم ما كتبه النجم العالمى توم هانكس من أن الفيلم يغير الصورة النمطية للسينما، كل هذا لم يقنع تليفزيون ماسبيرو ليحتفى بالفيلم لان اللهو الخفى شن هجوما على الفيلم وصناعه وقالوا إنه يهاجم الشرطة وأن أحد المشاركين فى إنتاجه من الإخوان.
لا أنكر أننى كنت أتحسس خطواتى قبل أن ادلف لدار العرض وكلى رعب أن أجد شبهة دفاع عن الإخوان، أو ظلما وتشويها للشرطة، دخلت وتسمرت عينى من أول دقيقة حتى الفنال يعنى النهاية، يالله ماهذه الوجبة السينمائية الساحرة، منذ وقت لم استمتع بعمل فنى خطفنى ولا يشعرنى بالملل أو الزهق ، هذا هو وهج الفن ونزق الإبداع الأخاذ.
الفيلم من أول ثانية يدور فى عربة ترحيلات اجتمع فيها عدد من المصريين من مختلف الفئات، إخوان على فلول على شباب سيّس وضريبة ومواطنين عاديين وحتى مجند الامن المركزى المسيحى الذى تعاطف مع الفتاة الإخوانية عائشة لأنها تريد الذهاب للحمام وزميله رفض، وعندما فتح باب المدرعة ودخل ليسمح لها بالنزول أغلق عليه زميله الباب وحبسه حتى لا يحاسب من الضابط.
إذن طوال ساعتين تقريبا نحن نرى الصراع ببن هذه المجموعة فى الاختلاط والتعايش الإنسانى وتزجية الوقت والحكى العابر عن ظروف كل منهم وحياته، نحن امام أسرة نيللى كريم زوجها طارق عبد العزيز وولدها، فنرى فى بداية الفيلم انهم اخذوا زوجها وابنها وهى أرادت اللحاق بهم فاضطرت لقذف السيارة بالطوب حتى يأخذوها، ونرى المراسل الأمريكى المصرى هانى عادل وقصة والده الذى عاش بالخارج وأوصى عندما يموت يدفن فى مصر، ونرى قصص شباب ليس لديهم أية اتجاهات ويعملون ديجيه فى الأفراح، ونموذج السايس الذى يتقمص دور البلطجى ليستطيع البقاء فى الشارع وعندما يحاول استخدام الموس يقطع لسانه، ونرى مجموعة من الإخوان جاءوا من أنحاء مصر للقيام بمظاهرات لإعادة مرسى للسلطة ونعرف كيف ينظمون أنفسهم ويعينون أميرهم على مبدأ السمع والطاعة، ونرى المستجدين فى الأسر الاخوانية وكيف يتذمرون من الكوادر..
ومن أجمل مشاهد الفيلم عندما يستعرض الجوانب الإنسانية لأحدهم وهو يغنى فى الليل داخل العربة أغنية اجمل إحساس بعد ان كان يغنى فى النهار نشيد الإخوان، ثم وآخر يحاول التبول فى زجاجة ثم ثالث وهو يعلن انه سيخرج من مصر الى سوريا لأن هذا التطور الطبيعى للإخوان، كل هذه الزوايا تعرى الإخوان ولا تدافع عنهم بل هى تنزع عنهم ورقة التوت، ويدخل فى باب الإسقاط الواضح عندما خطف الإخوانى السيارة من السائق المجند وذهب بها للمقطم ونزل ليفتح بابها حتى يخرج من بداخلها هنا لم يستطع فتح الباب وحاول بكل السبل حتى أن احدهم قال له اخبطها من ورا فى الصخر، وفعل ذلك وأفسد مؤخرة السيارة وفشل فى فتح الباب، وهو إسقاط واضح ان السيارة هى مصر والإخوان قادوها فحطموها وأثناء قيادة الاخوانى لها كان اخوانه يشجعونه بينما الاغلبية تصرخ وتعانى وتسقط من الإعياء، وعندما استمر فشل الإخوان اقترح احدهم الذهاب لإخوانهم فى مظاهرة اخرى ليتصرفوا، والمعنى واضح وكما قال صبحى صالح "الإخوانى للإخوانى"، وكما قال المرشد "طز فى مصر"، وأثناء بحثهم عن اخوانهم وبينما الآخرون يطالبون بوقف المدرعة تداهمها مظاهرة مؤيدة للجيش من بتوع تسلم الايادى وتطلق عليهم خونه وهنا يغنى ( المغايرين) للاخوان تسلم الايادى ويحاول الإخوان كتم صوتهم وغلق الباب -الذين كانوا يتمنون فتحه منذ قليل - ويحاول من بالخارج فتحه للفتك بهم، وهنا يثبت الكادر فى نهاية مدهشة وغير متوقعة وكانها مصر قسمها الخونة الإخوان الى نصفين، المعنى واضح يؤكد على الزوايا الانسانية للبشر مهما اختلفوا وكيف تتعرى نفوسهم وقت الخطر وايضا كيف يتصرف الاخوان ويتحدون ويعاملون غيرهم من المسلمين كأنهم من دين آخر، ثم إن الفيلم أظهر صورة مجند الشرطة والضابط فى صورة إنسانية وبطولية ايضا ، وقدم نموذج الضابط الشهيد وزميله يحدث زوجته معزيا وهو مغموس فى دمه من قناصة ارهابى ، وقدم المجند المسيحى يضحى بنفسه لينقذ فتاة إخوانية، كل هذا فى إيقاع لاهث متلاحق وصورة وزوايا تصوير لا تقل عن المستوى الذى نراه فى السينما العالمية .
أما الأداء فيحتاج لعدة مقالات لكن انت امام نيللى كريم لابد ان تتعبد فى محرابها الفنى ، كيف وصلت لهذا التوهج الخاطف كالشهاب ، هى لا تقول عبارات او مونولوجات وربما لاتقول كلمات لكنها فى صمتها وإهاتها وتعبيرات الجبين المقطب والعين الغاضبة وحتى الاشتباك بالأيدى وهى تدافع عن زوجها المصاب وطفلها الخائف، ثم وهى تهزر مع غلاظ القلوب وتداويهم فى كل هذا تفاصيل ممثلة جبارة تستحق الأوسكار وليس اقل ، ثم طارق عبد العزيز وهى تخيط له جرحا بدبابيس اخذتها من طرحة عيشه الاخوانية وهو ينزف ويضحك برافو طارق وهانى عادل فى دور الامريكانى الرصين المشاكس معا وعمرو القاضى المتعاطف والرافض للإخوان فى ذات الوقت، ومحمد سباعى الوجه الجديد الذى سيكون ممثلا كبيرا ومحمد داش والطيب واحمد مالك ويوسف عثمان ومى الغيطى ومحمد عبد العظيم وغيرهم.. تحية لكل من شارك فى هذا العمل الضخم الذى يفخر اى متابع او مثقف ان بيننا هذه المواهب الكبيرة والتى قادها بروح العمل الجماعى الموهوب جدا محمد دياب ومحمد حفظى.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة