لا يصح لنا بحال من الأحوال أن ننكر الحظ ووجوده، فحظ الرجل هو رزقه، يسعى الواحد فينا ما شاء له السعى لكنه فى النهاية لن ينال سوى نصيبه الذى هو حظه من الحياة، ويمكن أن نرى ذلك متمثلا فى كل مجالات الحياة، لكن فى عالم الإبداع يكون أكثر وضوحا وتمثلا، لأن ما يفعله المبدع يكون واضحا ومباشرا، وعالم التمثيل أكثر هذه الأماكن تعجبا فكم من مبدع نصفق له وتتوقع فى المرة المقبلة أن تتسع دائرته لكنه أبدا لا يحدث! والفنان الراحل محمد كامل نموذج حقيقى على ذلك.
فى مسلسل الليل وآخره للنجم يحيى الفخرانى، كان محمد كامل يقدم دور صديقه «سيد الملا»، وكانت الفنانة الراحلة سعاد نصر تقوم بدور زوجة الفخرانى التى تشعر بالقلق وتشعر بأن «سيد الملا» هو سبب تلك الكوارث التى لحقت بالأسرة فلا تغفل مرة واحدة عن سبه والهجوم عليه، بينما كنت أحسه فى هذا العمل رجلا بريئا يحب البهجة ليس إلا، لكنه لم يسع للسقوط التام فيها، هكذا كنت أفهم شخصية محمد كامل من خلال أعماله التى شارك بها، رجل يحب الفن ويعطيه ما يطلبه لكن مردود الفن يتعامل معه بحذر.
ينتمى محمد كامل لفئة الممثلين الذين لا يمكن تعويضهم، وذلك لكونهم يمثلون «كراكتر» مكتملا يخصهم وحدهم سواء كان الدور الذى يقدمونه كبيرا أم صغيرا، يضفون هم سماتهم الخاصة على الدور، وتشعر معهم ببعد ثقافى غريب، فمثلا فى شخصية «مرسى» الحرامى فى «عباس الأبيض فى اليوم الأسود» مع النجم الفخرانى، كان أداء محمد كامل غريبًا، كأن صناع العمل رأوه فى الشارع يمارس جرائمه الصغيرة فأتوا به ليقدمها أمام الكاميرا، لا يوجد انفصال أبدا، تلبَّس الشخصية لدرجة اليقين، ومع ذلك يظل دوره فى «حلم الجنوبى» الأجمل والأروع.
رحم الله محمد كامل وعوضه عن موهبته الكبيرة وحظه المتوسط مع الفن خيرا، فقد رحل وتركنا نعانى من مواجهة المؤدين الحافظين للنصوص، الباحثين عن الشهرة حتى لو على سبيل الفن والإبداع والمستعدين لتشويه كل شىء سعيا وراء حظ أوفر.