ما السر فى تمسك الحكومة بضرورة تطبيق التوقيت الصيفى فى شهر يوليو الحالى؟ فإذا كان عدد كبير من نواب البرلمان فى جلسة يوم الخميس الماضى طالبوا بإلغائه، فلماذا «التودد» من جانب الحكومة للبرلمان للإبقاء على التوقيت، الذى قررت العمل به يوم الجمعة المقبل؟
هل نحن فى انتظار أزمة جديدة وصدام بين الحكومة والبرلمان فى قضية لا تستحق، والدخول فى أزمة بلا لازمة وإهدار جديد للوقت؟ فتبريرات الحكومة غير مقنعة بالمرة للرأى العام، وحتى للقطاعات التى تحججت بها سواء الطيران أو الكهرباء، فشركة مصر للطيران أعلنت أن خسائرها محدودة للغاية فى حالة إلغاء التوقيت الصيفى، والحكومة تقدر خسائر قطاع الطيران بحوالى 8 ملايين دولار، وخسائر قطاع الكهرباء والبترول 12 مليون دولار.
لسنا فى حاجة إلى التوقيت الصيفى، ولا إلى الأزمة بين البرلمان والحكومة، وسبق أن تم إلغاؤه فى 20 إبريل عام 2011 من قبل حكومة عصام شرف، ثم تقرر إعادة العمل به مرة أخرى قبل انتخابات رئاسة الجمهورية عام 2014 بناء على قرار مجلس الوزراء، تحت ضغط أزمة الطاقة المتكررة وانقطاع التيار الكهربى، كوسيلة للتقليل من استهلاك الكهرباء مع استثناء شهر رمضان.
منذ أن بدأ العمل بنظام التوقيت الصيفى فى مصر، لا يشعر المواطن بجدوى هذا القرار اقتصاديا أو صحيا أو نفسيا، فلا شىء يتغير ولا توفير للطاقة ولا الكهرباء، والشارع المصرى لا ينام، والقاهرة مدينة لا تعرف الهدوء أو الكف عن الضجيج والسهر ومواصلة الليل بالنهار، وحتى عندما قرر وزير الحكم المحلى السابق، اللواء أحمد زكى عابدين، تحديد مواعيد فتح وإغلاق محلات القاهرة، ثارت الدنيا واعترضت أقلام كثيرة على القرار، بحجة أن السهر حتى الصباح والليالى الملاح أهم خصائص ومميزات القاهرة، والمدن الساهرة لجذب السياحة، وهو كلام مردود عليه، فمدن العالم السياحية الشهيرة تطبق مواعيد الفتح والإغلاق، فى لندن وبرلين وميونيخ ومدريد وباريس، ومع ذلك لم يشكُ أحد من غياب السياح أو تراجع أعدادهم، فى النهاية هناك قوانين وإجراءات حاكمة تحقق الهدف والغاية منها اقتصاديا وبيئيا وصحيا، ففى كندا وأمريكا، قدرة التوقيت الصيفى على حفظ الطاقة تأتى أساساً من تأثيره على إضاءة المنشآت، التى تحفظ ما يقارب %3.5 من الكهرباء، ومع ذلك فالتوقيت الصيفى مثار جدل دائم، وبعض الدول ترى أنه لا يحقق الفائدة منه، ومنذ تطبيقه فى عام 1914 مع بداية الحرب العالمية الأولى والجدل حوله لا يتوقف، فالحاجة إلى تطبيقه كانت لظروف الحرب والدول المشاركة فيها، كإجراء مهم من إجراءات التقشف، ألمانيا وحلفاؤها من دول المحور، أول دول تستخدم التوقيت الصيفى بدءاً من 16 إبريل سنة 1916 خلال الحرب العالمية الأولى، وكان الهدف من ذلك حفظ الفحم خلال الحرب، بعد ذلك لحقت بريطانيا وأغلب حلفائها وكثير من الدول الأوروبية المحايدة بقضية التوقيت الصيفى، وشهد العالم العديد من التشريعات والتعديلات والإلغاءات لتحسين التوقيت.
فى الأوقات العادية والظروف الطبيعية، هناك إجراءات كثيرة يمكن ترشيد الاستهلاك وتوفير موارد الدولة المهدرة من خلالها، بدلا من تطبيق التوقيت الصيفى «اللى بيعفرت الوقت»- كما يرى المواطنون البسطاء دائما- فترشيد الاستهلاك للطاقة ليس عبر التوقيت الصيفى، وإنما عبر حملات التوعية المكثفة، ومحاربة سرقة التيار، وتجديد شبكات النقل والتوزيع وتنويع مصادر الطاقة.
هناك بدائل كثيرة أمام الحكومة لتوفير أكثر من 20 مليون دولار، حجم الخسائر المقدرة، وهو مبلغ لا ينسجم والأزمة الحالية بين الحكومة والبرلمان، بالتزامن مع عدم اكتراث الناس بالأزمة أو الاهتمام بتطبيق التوقيت الصيفى من عدمه.