ما فائدة تطوير الأجهزة والأنظمة مادامت العقول متجمدة، ولا تريد أن تبرح مكانها، فهى اعتادت الكسل والنوم، ولا قابلية لديها للعمل مطلقًا.
منذ عامين، والدولة تبذل كل ما لديها من طاقة لإنشاء بنية تحتية تليق بدولة اسمها مصر، وتسابق الزمن، وتتحدى كل النظريات العلمية لتنتهى من المشروعات المستهدفة فى وقت قياسى، وبالفعل رأينا كيف أنهت مصر حفر قناة السويس الجديدة فى عام واحد فقط، وبدأت زراعة مشروع المليون ونصف المليون فدان، وقاربت على الانتهاء من المشروع القومى للطرق، والكثير من المشروعات التى لم يتوقع لها أحد أن ترى النور قبل ثلاثة أو أربعة أعوام، لكن الإرادة المصرية حققت المستحيل.
تحركات كبيرة، ومشروعات ضخمة تقوم بها الدولة لتطوير البنية التحتية، لكن تبقى المشكلة فى العقول التى تأبى التحديث، وأذكر هنا تحديدًا العاملين فى الجهاز الإدارى للدولة، الذين وصل عددهم إلى 7 ملايين موظف، للأسف الشديد لا يعملون بالطاقة المطلوبة، رغم أن عددهم أكثر من المطلوب سبع مرات، فالجهاز الإدارى للدولة لا يحتاج سوى مليون موظف فقط، وربما أقل من ذلك، ونحن لدينا 7 ملايين، والنتيجة صفر، ولك أن تتخيل أن مصر بها 7 ملايين موظف من إجمالى 90 مليون مواطن، بينما دولة مثل الصين التى يصل تعداد سكانها مليارًا و300 مليون بها 7 ملايين موظف حكومى فقط!
الجهاز الإدارى للدولة هو أكبر فساد تعيشه مصر حاليًا، ويحتاج لقرار جرىء حتى لا تقف الدولة على هذه العقول المتحجرة التى لا تبحث سوى عن راتبها والحوافز والبدلات نهاية كل شهر، دون حتى أن تعمل ربع الوقت، والأمثلة كثيرة ومعلومة للجميع، بمن فيهم الموظفون أنفسهم، فهم أكثر الناس اعترافا بالمأساة التى تعيشها مصر بسبب عدم عملهم، والتجارب اليومية ستضعك أمام عشرات الأمثلة التى تجعلك تصرخ وتطالب بتفجير هذا الجهاز العقيم الذى يعطل ولا يعمل.
أتحدث عن موظف عمله يبدأ فى الثامنة صباحًا، لا تراه على مكتبه إلا فى العاشرة، وإن وجدته تراه كسولًا يغالبه النعاس، لأنه حوّل مكتبه إلى «سرير نوم»، وآخر أغلق أبواب مكتبه ليستمتع بالمكيف، وآخرون كثيرون لا يرون مكاتبهم إلا يومًا واحدًا فقط فى الشهر للحصول على راتبهم، فهذه أمثلة نراها كثيرًا فى كل المصالح الحكومية دون استثناء.
لا أملك إحصائية عما تتحمله الدولة سنويًا من هذه المأساة، لكن لدى يقين بأن الفاتورة تتعدى المليارات، لا تدخل ضمنها رواتب العاملين فى الجهاز الإدارى، والتى تعدت الـ210 مليارات جنيه سنويًا، دون جدوى.
الداء واضح، لكنه يحتاج لعلاج سريع حتى لا تتفاقم المأساة، وإذا كانت الدولة جادة فى الإصلاح، ولديها يقين بأنها كذلك، فعليها أن تقتحم هذا الملف الشائك. الحل له عدة أوجه، منها هيكلة الجهاز الإدارى بأكمله، وتطبيق قانون الخدمة المدنية على الجميع دون استثناء.
جزء مهم من الحل أيضًا مرتبط بالسؤال الذى نردده جميعًا منذ عدة سنوات، هو: لماذا لا نستكمل مشروع الحكومة الذكية أو الإلكترونية، فالذى يريد تذكرة قطار، أو الحصول على أى خدمة، يحصل عليها وهو فى منزله، بدلًا من المعاناة مع موظفين يتفننون فى تعذيب المواطنين.
هناك أفكار كثيرة، لكن الأمر مرتبط أساسًا بقرار جرىء، ووقفة منصفة من جانب البرلمان مع الحكومة، لتنفيذ كل المقترحات التى تهدف إلى رسم صورة جديدة للدولة المصرية تتناسب مع مكانتها، ووضعها الإقليمى.