عزلة العرب واستقرار إسرائيل
قبل أن يسأل بعضنا عن تفاصيل ما يفعله رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو فى جولته الأفريقية، يبدو السؤال الأهم، ماذا فعل المصدومون.؟ وماذا قدم العرب لأفريقيا حتى يمكنهم أن يحاسبوها.
معروف أن إسرائيل ليست وحدها فى أفريقيا، ثم إن إسرائيل لم تغب عن القارة لترجع إليها فقط وتقوم بعمليات تنشيط، ولم يعد يكفى البقاء عند علاقات تاريخية بين مصر ودول أفريقيا فهذا كله من الماضى.
الحاضر أكثر تشابكا وتعقيدا، جرت مياه كثيرة فى أنهار السياسة الدولية والإقليمية خلال عقود، وانتهت الحرب الباردة التى كانت القطبية فيها تخدم الدول النامية. انتهت الحرب الباردة وأسفرت عن عولمة وعلاقات سياسية واقتصادية تحكمها المصالح. وما كان يصلح فى الخمسينيات والستينيات، لم يعد كافيا اليوم، يومها كانت إسرائيل ماتزال ناشئة، وكانت تفاصيل الأمن القومى المصرى تمتد فى دوائر ثلاث عربية وأفريقية وإسلامية، فضلا عن عدم الانحياز، وكانت مصر تبنى علاقات سياسية وثقافية واقتصادية. وتمتلك مفاتيح وأدوات توظفها ويمكنها مواجهة إسرائيل على جبهات مختلفة.
اليوم الوضع أكثر تعقيدا، ولا يكفى البقاء عند الماضى وحالة حنين لم تعد تكفى، هناك أدوات وطرق تحكمها المصالح.
أفريقيا أنهت الحقبة الاستعمارية، وظلت معروضة بقضاياها، مصر كانت تقدم الخبرات والدعم والتدريب لدول وكوادر أفريقيا، ولا ننسى أنه خلال السنوات الخمس الماضية خرجت ليبيا من الوجود القوى بأفريقيا، وكان العقيد القذافى موجودا بشكل مادى ومعنوى فى أفريقيا، خروج ليبيا جعل الطريق مفتوحا أكثر امام إسرائيل التى ترتبط بعلاقات مع أفريقيا «نيتانياهو سعى للتأكيد على عقود إسرائيل مع إثيوبيا لقيام شركات إسرائيلية بتولى عملية توزيع الكهرباء وتصديرها، إلى جانب صفقات عسكرية، ومشاريع تخص الزراعة والرى وعرض التكنولوجيا، وعروض إسرائيلية لمساعدة أفريقيا فى مكافحة الإرهاب، والدول الأفريقية تعتبر إسرائيل المفتاح للحصول على المساعدات الدولية، ولا يمكن تجاهل سعى إسرائيلى للدخول فى ملف المياه، والكهرباء، وبالتالى «سد النهضة»، وهو ملف سياسى وأمنى.
ردود الأفعال تجاه زيارة رئيس الوزارء الإسرائيلى نتنياهو مترددة، بين التجاهل أو التقليل ولوم الذات. أحمد أبوالغيط، أمين عام جامعة الدول العربية، يرى أن جولة رئيس الوزراء الإسرائيلى فى 4 دول أفريقية تسعى لكسر العزلة الدولية عن إسرائيل. وهى مقولة تنقصها الدقة، فإسرائيل ليست فى عزلة، بل إنها استفادت من فوضى الصراعات العربية، بينما القضية الفلسطينية تواجه عزلة من فصائل فلسطينية أطاحت بالقضية خلف صراعات النفوذ والمال والسلطة، بين فتح وحماس، إقليميا، بانكفاء الدول العربية على مشكلاتها، خرجت العراق وليبيا واليمن وسوريا، والجامعة العربية فى أضعف حالاتها، وإسرائيل فى أكثر حالاتها استقرارا. كل هذه عناصر تجعل الوضع أفريقيا وعربيا ودوليا مختلفا، ويحتاج لتعامل يراعى فروق القوة والتوقيت.