حمل أحد الدواوين المهمة للشاعر محمود درويش عنوان «لا تعتذر عما فعلت»، بعد ذلك خرجت هذه الجملة من إطارها الشعرى الذى قصده محمود درويش وتحولت لـ«أمثولة» تستخدم للتعبير عن حالات حياتية كثيرة يعجز الإنسان عن فهمها وفهم سياقها، أو يجد نفسه غير متقبل لهذا التصرف بأن يكون غير كافٍ للتعبير عن الأزمة، هذا ما نشعر به بعد 13 عاما على غزو العراق.
ورغم أنه كان أمرا معروفا للجميع، خاصة فى بلادنا العربية، مدى الظلم الذى وقع على بغداد فى 2003 بادعاء الغرب أنها تملك أسلحة كيميائية، لكننا كنا فى حاجة لمن يقول لنا ذلك فى الغرب، وهو ما حدث، حيث خلص تحقيق طال انتظاره فى شأن التدخل العسكرى البريطانى فى العراق إلى أن الأسس القانونية لقرار بريطانيا المشاركة فى غزو العراق عام 2003 «ليست مرضية»، وأن رئيس الوزراء الأسبق تونى بلير بالغ فى الحجج التى ساقها للتحرك العسكرى، وقال رئيس لجنة التحقيق جون تشيلكوت، إن المعلومات بشأن أسلحة دمار شامل مزعومة فى العراق واستخدمها بلير ليبرر الانضمام إلى الغزو الذى قادته الولايات المتحدة وأدى إلى الإطاحة بصدام حسين ومقتل 179 جنديا بريطانيا كانت مغلوطة لكنها قُبلت دون تفنيد.
وكنا أيضا فى حاجة ملحة لاعتراف أباطرة الشر الذين قادوا حملة خراب بلاد الرافدين وشردوا أهلها، وهذا ما فعله «تونى بلير»، رئيس وزراء بريطانيا الأسبق، الذى كان شريكا للموتور جورج بوش فى حربه ضد بغداد، فأخيرا اعترف «بلير» بارتكاب الخطأ عندما قرر مع الرئيس الأمريكى جورج بوش غزو العراق فى العام 2003، للإطاحة بنظام الرئيس السابق صدام حسين، وقدم اعتذاره عن الحرب.
لكن الاعتذار لن يفيد، فهناك فاتورة لهذه الحرب اللعينة دفعها الشعب العراقى من دمه وأمنه وأرضه ومستقبله ورجاله، وهذه الفاتورة لن يسددها اعتذار البريطانيين ولا حتى الأمريكيين، لأن السنوات الماضية كانت بالضبط كابوسا لم يستيقظ منه العراق بعد، لذا وجب على هؤلاء السياسيين القتلة أن يدفعوا الثمن من سمعتهم ومن تاريخهم ووجب على بلادهم أن تتحمل تبعاتهم، لأنها انساقت وراء مجانين ولن تتريث، لكن قبل أن يدفع بلير وبوش الثمن للعراق عليهما أن يدفعاه لشعوبهما التى أصاباها بالرعب والقلق وغرسا فى داخلها الخوف من الآخر بالكذب والادعاء حتى يستطيعا أن يحققا شهوتهما الدموية فى قتل الشعب المسالم البرىء.
ونحن علينا ألا نكتفى كعادتنا باعتراف القاتل، لكن عليه أن يدفع ثمن ذلك، وعلى بلده أن يقدم اعتذارا رسميا بما يتطلبه ذلك من مسؤوليات تجاه العراقيين، وأن تتحمل هذه البلاد إصلاح ما أفسدته رغم صعوبة ذلك، فما خسره أهل بغداد لا يمكن تعويضه.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
النسر
اوعو تنسو