ينعكس شكل البنيان الاقتصادى فى أى دولة على قدرة الاقتصاد القومى على تكوين حجم الادخار، ويحدد أيضاً اختيار المصادر التى نعتمد عليها فى هذا الصدد، وكلما كانت أسواق النقد والمال فى البلاد ضيقة وغير نامية كمصر، فإن هذا يؤدى إلى أولوية تفضيل الاعتماد على الضرائب بالنسبة للقروض .
لذا أردت أن أفرد هذا المقال لطرح الوسائل التى يمكن أن تستخدمها السياسة المالية عندنا فى تكوين الادخار العام, فمع انتشار الطبقات "البرجوازية" - أى الطبقات ذات الاستهلاك الأعلى - يقتضى هذا الوضع ضرورة تدخل الحكومة فى تكوين ما يعرف "بالادخار الإجبارى"، الذى يكون فى الغالب عن طريق السلطات العامة ولحساب الدولة، إلا فى حالات الاقتراض الإجبارى، فإن تكوينه يكون لحساب الأفراد، ويتم ذلك باقتطاع الدولة جزء من الدخول والثروات الخاصة على أن يرد بعد المدة التى تحددها لهذا القرض الإجبارى، ونكتفى هنا بالإشارة فقط إلى القرض الإجبارى، لننتقل لنحلل الضريبة كوسيلة أكثر انتشارا لتكوين الادخار الإجبارى لصالح السلطات العامة، ونجد أن الضرائب المرتبطة بحجم الإنتاج تقابل استحسان من المجتمع المصرى من الضرائب على الدخل، وذلك لأن الضرائب المرتبطة بحجم الإنتاج أقل تأثيراً بالتقلبات الاقتصادية من الضرائب على الدخول، ومن ناحية أخرى فالضرائب على الدخول قليلة الأهمية فى البلاد الأخذة فى النمو كبلادنا لأن العدد الأكبر من الأفراد فى البلاد يعيش فى مستوى أقل مما يلزم للحياة، ويخرج من وعاء الضرائب، وعليه فإن الضرائب على الدخل لا تصيب فى بلادنا إلا نفراً قليلاً ولا تكفى بالتالى، كمصدر أساسى من مصادر تمويل التنمية المستدامة المطلوبة، ولهذه الأسباب لا يصح الالتجاء إليها بصورة أساسية كمصدر لتمويل احتياجات الدولة، إلا حينما يبلغ التصنيع درجة معينة تسمح بذلك.
ورغم ذلك يظل فى مصر الاعتماد على ضرائب الدخل وزيادتها المستمرة أمراً حتمياً لاعتبارات "العدالة الاجتماعية"، فلما كانت إدارة الرئيس السيسي تسعى إلى تحقيق قدر من العدالة الاجتماعية عن طريق السياسة الضريبية، كان اختيار الضرائب على الدخل الوسيلة الأفضل لتحقيق ذلك، فإن هذه الضريبة دخلت مناطق نفوذهم (وزارة المالية)، على الرغم من أن العدد الذى تفرض عليه عندنا قليل جداً، لأن الذين يعيشون فوق المستوى اللازم للحياة الكريمة قلة محدودة، وبالتالى وعاء تطبيق ضريبة الدخل فى الميزانية المصرية تجده رقما هذيلا إذا ما قورن بحجم الموازنة العامة للدولة وإيراداتها، واعتمدت وزارة المالية على الضرائب على الدخل أكثر فأكثر فى بعض الحالات رغبة منها فى الإفادة من خصم الضرائب التى تدفعها المشروعات المصرية فى الخارج، ولهذا السبب أخذ الإصلاح المالى الذى أدخل فى مصر من زمن حديث بالضرائب على الدخل بدلاً من عوائد الأرباح المحققة خارج البلاد فى بعض المشروعات، وإكمالاً لهذا الإصلاح المالى، ومع زيادة الطلب على المواد الأولية برز الطلب فى الوقت الحاضر الالتجاء إلى الضرائب على الدخل أكثر إذ أن هذا التزايد يستبعد انخفاض حصيلة هذه الضريبة المتوقعة، ويمنع بالتالى خطورة عدم ثبات حصيلتها فى المستقبل.
وأخيراً فالتوسع فى مشروعات التنمية الاقتصادية على كل المستويات (القطاع العام والخاص) يؤكد من خلال تجارب الدول على مر التاريخ المعاصر من أهمية الضريبة على الدخل وتزايد أهميتها فى مصر - على الأخص - مع ازدياد التنمية الاقتصادية الشاملة المتوقعة، وهو الأمر الذى وضع مصر اليوم فى إطار مالى يعتمد على الضرائب على الدخول كنظام أساسى لتمويل التنمية والميزانية، وأعلم أن له مزايا عديدة اجتماعية، إلا أنه لا يخلوا من الطعن عليه، وذلك لاعتبارات اقتصادية واجتماعية أخرى سوف نفرد لها مقالاً أخر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة