فى فيلم «جعلتنى مجرما» للنجم أحمد حلمى كانت الفكرة الرئيسية التى يريد إيصالها على المستوى الاقتصادى لأصحاب المشروعات «أن يأكلوا أنفسهم قبل أن يأكلهم غيرهم»، ومن قبل ذلك ومنذ نشأ فن «الألبوم الغنائى» كان «شريط الكاسيت» نوعين، الأول «ستريو» يشتريه الذين تسمح له ميزانياتهم المادية بفعل ذلك، والنوع الثانى هو «الطبعة الشعبية» التى كان يشتريها محبو الموسيقى الذين لا تسمح ظروفهم باقتناء نسخة «ستريو» تباع بأضعاف ثمن الطبعة الشعبية، وكان النوعان يباعان فى الشركة نفسها وعند الموزع نفسه.
أقول ذلك بمناسبة الأزمة المتجددة التى يبدو أنها لن تنتهى قريبا، بل ستتفاقم أكثر وهى المتعلقة بتزوير الكتب وقرصنتها، خاصة بعد ارتفاع أسعار مستلزمات الطباعة، وعدم وجود أى حل من الدولة أو نية للتدخل فى هذا الأمر، وأصبح أصحاب دور النشر فى مواجهة مع الواقع المؤلم، وأصبحوا مجبرين للبحث عن حلول.
الآن أصبحت دور النشر لا تملك سوى أن تشتغل نفسها وتقدم طبعة شعبية من كل كتاب تقوم بطباعته، يكون أقل جودة لكنه يحتوى المعلومة والفكرة، ويوزع ويباع داخل المكتبة نفسها التى تعرض الكتاب المطبوع بالشكل الذى يحبه البعض وترتضيه دار النشر، وحينها يكون كل قارئ حسب ظروفه المادية ورغبته فى القراءة واقتناء الكتاب.
ليس أمام دور النشر سوى ذلك، لأن جزءا كبيرا ممن يشترون الطبعات المزورة يفعلونها بسبب قلة دخلهم المادى وعجزهم عن شراء النسخ مرتفعة السعر من المكتبات، وهم فى فعلهم ذلك لا يقصدون محاربة دور النشر أو دفعها للخسارة أو التقليل من دورها، لكن ظروفهم الحياتية تفرض نفسها عليهم، هم يحبون القراءة لكنه لا يملكون ثمنها المرتفع، لذا يلجأون إلى الكتب الموجودة على الأرصفة غصبا عنهم فيشترونها ربما وهم يتعجبون من منطق التاجر الذى يساومهم أحيانا فى سعر الكتاب.
على دور النشر أن تعرف أن القارئ الفقير موجود بأكثرية فى عالم الثقافة، وأن التعامل معه والاهتمام بشأنه وبما يحتاجه ليس هزيمة بل نصر على المشكلة ومحاربة للأزمة التى أكدنا أكثر من مرة بأنها لن تنتهى، فالوضع الاقتصادى للإنسان المصرى بوجه عام والمثقف جزء منه لن تسمح له بشراء كتب مرتفعة السعر فى وجود كتب «مخفضة» حتى لو كانت تباع على الأرصفة ومن أناس يبدو أن لا علاقة لهم بالثقافة أو بالكتابة أو بصناعة الوعى.