رحلتنا مع الخصخصة كلها «مخمضة» فلا الحكومات عوضتنا ولا الدولة سترتنا ولا حتى عرفنا الفلوس راحت فين.
قصتنا مع الخصخصة ليست اقتصادية أو تصحيحية بل دراما مأساوية اختلطت فيها ضحكات المسؤولين ونهم المستفيدين مع هموم العمال المطرودين ودموع أسرهم بعدما فقدوا مصدر الرزق الوحيد. لم تنجح الدولة فى تعويض العمال ولا فى تعويض المواطنين ولا فى تعويض الخسائر التى نتجت عن الإدارة الفاسدة لممتلكات الشعب بل باعتها فى النهاية بتراب الفلوس.
الغريب وبعد ثورتين أن نعيد دراما الخصخصة أو «المصمصة» فيما تبقى من جسد الوطن النحيل. وكأن كل تجاربنا الأليمة لم تكفِ. فنظرة سريعة على مؤشرات التضخم والغلاء فى مصر ستبرهن للجميع أن الخصخصة كانت من أهم أسباب «انفجار الأسعار» بعد أن تخلت الدولة عن دورها فى توفير سلع أساسية بأسعار منطقية وتركت الساحة لاحتكار وجشع حفنة من رجال الأعمال بداية بالإسكان والمقاولات وحتى العصير والبيجامات. رغم أنه كان من الممكن أن يتم تأهيل شركات ومصانع قطاع الأعمال للقيام بهذا الدور بعد تطويرها من خلال ميزانية الدولة وإعادة هيكلتها ومراقبتها إداريا وماليا لنتلافى الأخطاء السابقة.
لكن للأسف موقف الدولة غير حازم ولا واضح تجاه الفساد المالى أو الفشل الإدارى حتى إنها فوجئت بسرقة مئات الملايين من صوامع القمح وهو من أهم السلع التى تستدين من أجلها الدولة لتوفر للناس رغيف العيش فهل نستدين بمليارات الدولارات ليسرق ويهدر نصفهم فى صوامع التخزين؟!. ولماذا «يبرطع» الفساد فى كل قطاعات الدولة الاقتصادية وكأنه شبح يعجز الجميع عن مواجهته واصطياده، فكان قديما هو الحجة للدخول فى تجربة الخصخصة الأليمة التى أحاط بها الفساد أيضا فى التسعير والتقييم وشروط البيع والتخليص. وللأسف الحكومات تعايرنا بهذا الفساد وترمى بلاه على المواطنين رغم أن الحقيقة غير ذلك، فالرقابة مهمة الدولة ومسؤوليتها الأساسية وأى منصب بلا رقابة أو مساءلة هو فى الحقيقة «مفسدة» سواء خفير أو وزير.
ثم أن الحكومة فى أى مكان فى العالم «ولو فى قاع المحيط» هى التى تفرض النظم والقوانين التى تواجه التلاعب والتربح واستغلال النفوذ.
ونحن الآن نعيد نفس الخطوات بنفس الأخطاء وننتظر النجاة !. فحتى لو قررت الدولة الاستمرار فى الخصخصة فهل هذا هو الوقت المناسب للحصول على افضل سعر وأحسن اتفاق بيع؟!. ولماذا الإصرار على بيع حصص من البنوك الوطنية رغم أن مكاسبها لا تعد ولا تحصى ومعظم أرصدتها تسحبها الدولة كسندات وقروض «كدين داخلى عام» وكيف نطرح كل هذه الممتلكات للبيع فى البورصة المصرية وحالة البورصة كما يراها الجميع «منهارة» ويمكن بسهولة أن تتكتل أسهم هذه الكيانات البنكية والصناعية فى أيادٍ أجنبية وبأقل سعر. فهل نبيع كل شىء للغرباء ثم نولول من المؤامرة.. وحتى الآن لم يتم الإعلان عن الشركات والمصانع العامة التى سيتم طرحها للبيع فى البورصة ولكن وزيرة الاستثمار أكدت أن نسبة البيع لن تتعدى 49٪ من هذه المؤسسات لتحتفظ الدولة بالنسبة الأكبر وبحقها فى الإدارة، فما الفرق؟. فإذا كانت الدولة عجزت عن إدارة هذه الأصول وعن تحقيق أرباح منها«كما تدعى» وهى تملكها بالكامل فهل تتحقق المعجزة وتحدث الطفرة فجأة بعد أن تمتلك 51٪؟!
رغم أن الفساد الإدارى كان هو الحجة الأساسية التى ساقتها الدولة للبيع كما قلنا فهل ينقلب فجأة بعد بيع جزئى لهذه المؤسسات أم أن العجلة ستدور والبيع سيستمر قطاعى حتى نقضى على كل قطاع الأعمال ونستريح من وجع الدماغ.
عدد الردود 0
بواسطة:
الحاوي
رائع
لك مستقبل باهر يا سامح