أيها الإنسان المغرور سيأتى يوم تغادر الحياة وتقبر فى قبر يبقى معك فيه عملك
لعل سائلا يتساءل لماذا كتبت الموت قبل الحياة، لأن الموت هو الحقيقة الأبقى التى نشعر معها بالضعف الإنسانى، كما أن الله سبحانه وتعالى خلق الموت قبل الحياة، ففى سورة الملك يقول سبحانه «هو الذى خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا».
ونحن كنا أمواتا قبل أن ينفث الله فينا الحياة ونبعث إلى الدنيا، فنحن كنا موجودين فى الذر قدر الله لنا الوجود حين يأتى وقت ذلك، كما فى قوله تعالى «وإذ أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين»، وهذا يعرفه علماء العقيدة بأنه ميثاق الفطرة، أى أن كل أحد يولد مفطورا على ما أشهده الله على نفسه بأنه ربه، بيد أن ميثاق الفطرة لا يقوم وحده حجة على الناس، لأنهم ينسون فيأتى الأنبياء فيذكرونهم بذلك الميثاق المودع فى فطرتهم فيتذكرون ذلك الميثاق ويتبعون الأنبياء كما فى قوله تعالى «وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا».
وفى القرآن الكريم آيات الموت أكثر تأثيرا فى الإنسان من آيات الحياة، والمعلوم أن الإنسان يحب الحياة ويكره الموت، ويسعى ألا يدركه كما فى قوله تعالى «أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم فى بروج مشيدة»، أى أن الإنسان لو بنى لنفسه برجا عظيما يحول بينه وبين ملك الموت فإنه لن ينفعه برجه ولن يحول بينه وبين أجل الله الذى لا يرد ولا يدفع.
والله سبحانه وتعالى سمى الموت مصيبة كما فى قوله تعالى «فأصابتكم مصيبة الموت»، وأشار سبحانه إلى أن الموت له مذاق مر كما فى قوله تعالى «كل نفس ذائقة الموت» والسياق هنا يفيد أن المذاق كأسه مؤلم وفى التنزيل «وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد»، فالموت له سكرات.
والحياة ذكرها القرآن الكريم فى مواضع عدة باعتبارها متاعا وزينة وغرورا، لأنها ليست باقية لدى الإنسان فهى مستودعة لديه لأمد محدد ينتهى مع الموت، ومن هنا كانت ابتلاء كبير للإنسان، لأنها بهجة وزينة ومال ونساء وشهوات وسلطان وسمعة وكبر وبطر وغرور، ورؤية للملكة حين يقول الإنسان «إنما أوتيته على علم عندى»، أى بشطارتى، ونسى أن ما آتاه الله فى الحياة ليس دائما معه، وإنما سيزول من يده ويتركه للورثة، ومن هنا كانت محنة الإنسان مع الموت والحياة فمع بداية الخلق والحياة وحتى الموت يبدو الإنسان مبتلى وكادحا إلى ربه، ومن هنا كان ابتلاؤه بالحياة الدنيا، كما فى حديث ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم أخذ بمنكبى وقال: «كن فى الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل، أو كرجل استظل بظل شجرة ثم راح وتركها»، وكان بن عمر يقول إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك.
أيها الإنسان المغرور المبتلى التى تمنحك الحياة ما قد يقودك إلى النسيان والطغيان، وتظن أنك طوعت لنفسك الأسباب، سيأتى يوم تغادر الحياة لا يمكنك أن تدفع الموت وتقبر فى قبر يبقى معك فيه عملك.