كانت الإضرابات والمظاهرات تعم الوطن العربى تأييدا لقرار جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس «26 يوليو 1956»، فى نفس الوقت الذى ينعقد «مؤتمر لندن» فى مثل هذا اليوم «16 أغسطس 1956»، ودعت إليه بريطانيا وفرنسا وأمريكا، وذلك فى محاولة لتكوين جبهة دولية ضد قرار التأميم، وإجبار عبدالناصر على العدول عنه، وتدويل القناة، أى عدم خضوعها للسيادة المصرية.
بدأ المؤتمر جلساته بمشاركة 24 دولة بحرية، وفى غياب مصر، وحسب محمد حسنين هيكل فى كتابه «ملفات السويس»، فإن جمال عبدالناصر كان مشغولا منذ أن تم الإعلان عن هذا المؤتمر بتشكيل جبهة مؤيدة لمصر فيه، ويضيف هيكل: «كان رئيس الوفد السوفيتى «الروسى» فى المؤتمر هو «ديمترى شبيلوف» وزير الخارجية، وكان رئيس الوفد الهندى هو وزير الخارجية «كريشنا مينون»، وتمكنا بالفعل من قيادة معركة سياسية من الطراز الأول داخل المؤتمر، وكان رئيس المؤتمر بالتقاليد هو «سلوين لويد» وزير خارجية بريطانيا ورئيس وفد الدولة المضيفة، واقترح فى الجلسة الأولى أن يلتزم المؤتمر بلوائح العمل فى الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبأن يكون هناك تصويت بين أغلبية وأقلية، ورفض «شبيلوف» لأن عمل الأمم المتحدة يرتكز على مبادئ وميثاق معروف للجميع سلفا، وأما هنا فى مؤتمر لندن فإن الوضع مختلف، واقترح «لويد» أن يكون هناك متحدث رسمى عن المؤتمر يعطى الصحافة العالمية فكرة كل يوم عن مداولاته لأن الجلسات سرية، ورفض رئيس الوفد الهندى الفكرة من أساسها لأن الآراء ستتنوع وتتعدد، وسوف يجد المتحدث الرسمى نفسه فى أزمة «توازن»، وسط هذا التعدد والاختلاف، ثم اقترح أنه إذا كان مطلوبا أن يعرف الرأى العام العالمى تفاصيل ما يجرى فى المؤتمر فلتفتح الجلسات، وسقط اقتراح أن يكون للمؤتمر متحدثا رسميا واحدا.
تقدم «دالاس» وزير الخارجية الأمريكى بمشروع ينص على أربعة بنود أهمها: إنشاء مجلس إدارة دولى لتشغيل وصيانة وتطوير القناة وتوسيعها، ويقوم مجلس الإدارة بعمل تقارير دورية للأمم المتحدة.
كان خلاصة مشروع «دالاس» تدويل قناة السويس تحت ادعاء إبعادها عن سياسة أى دولة، وفى مقابل هذا المشروع تقدم الاتحاد السوفيتى بمشروع مضاد شاركت فى صياغته بعض الدول الصديقة لمصر، وانقسم المؤتمر وطالت مناقشاته سبعة أيام متواصلة، ويقول هيكل: «طرح سلوين لويد مشروع دالاس للتصويت على عكس ما تم الاتفاق عليه من إجراءات فى البداية، ونال 18 صوتا وأصبح بذلك مشروع الأغلبية، وأما المشروع الآخر فحصل على 5 أصوات وأصبح مشروع الأقلية.
اقترح دالاس أن يكلف المؤتمر وفدا يمثل الأغلبية تشترك فيه وفود خمس دول يسافر إلى مصر لكى يعرض عليها مشروع الثمانية عشرة دولة لإدارة قناة السويس، وتقدم وزراء خارجية الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا باقتراح اسم «روبرت منزيس» رئيس وزراء أستراليا لكى يرأس بعثة الخمسة إلى مصر، وكانت الدول الخمس التى وقع عليها الاختيار هى، الولايات المتحدة، أستراليا، إثيوبيا، إيران، السويد، وحسب هيكل فإن «منزيس» أعلن فى لندن أنه اختار اسم للجنة هو «لجنة السويس»، وعقدت اللجنة اجتماعا لها برئاسته أعلن بعدها أنها سوف تقترح دعوة الرئيس عبد الناصر إلى لقائها فى مقر الأمم المتحدة بنيويورك أو فى مقرها الأوربى فى جنيف، ورد جمال عبدالناصر من القاهرة ببيان أعلن فيه: «إن مصر ترفض مشروع الثمانية عشرة الذى أذيع فى لندن جملة وتفصيلا، لأن فكرة التدويل هى الأساس فيه، وهى غير مقبولة فى مصر فى كل الأحوال»، ثم أضاف عبد الناصر أنه «لن يقابل اللجنة خارج مصر».
وفهمت اللجنة من ذلك أن الرئيس عبدالناصر على استعداد لمقابلتها فى القاهرة، فأصدر «منزيس» بيانا فى لندن أبدى فيه «استعداد اللجنة للسفر إلى القاهرة إذا طلب الرئيس عبد الناصر ذلك»، ورد عبد الناصر من القاهرة ببيان قال فيه: «إنه لا يطلب مجىء اللجنة، وإنما سيعطى تعليمات للسفارة المصرية فى لندن، لأن تعطى أعضاءها تأشيرة دخول إلى مصر، إذ ا هم تقدموا بجوازات سفرهم، وقررت اللجنة أن تسافر إلى مصر، فعلق عبد الناصر بأنه يوافق على استقبال اللجنة فى القاهرة على أن يكون واضحا أن اجتماعه بأعضائها لا يقيد مصر بأى شىء.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة