يبدو أن الإعلام المصرى فى كبوته الحالية لا يدرك الحقيقة المرة.. هناك ثلاثة تحديات تواجه الدولة المصرية تتمثل فى: (الحرب ضد الإرهاب - البناء والبقاء – الإنجاز والتشكيك)، وهو ما يتطلب اصطفافا وطنيا صادقا ضد قوى الشر التى تعمل بجد واجتهاد - ليل نهار - لخنق الاقتصاد المصرى عبر شبكة عنكبوتية رهيبة.
لماذا لا يفيق الإعلام القومى قبل الخاص من ثباته وكسله المهنى على مشروع وطنى حقيقى، يهدف فى جوهره الحفاظ على أركان الدولة، وأقصد "الدولة" هنا بمفهومها المتعارف عليه فى علم السياسة (الدولة : هى مجموعة من الأفراد يمارسون نشاطهم على إقليم جغرافى محدد ويخضعون لنظام سياسى معين متفق عليه فيما بينهم يتولى شؤونهم) بما يعنى أننا جميعا شركاء فى تحمل المسئولية الوطنية تجاه الإقليم الجغرافى، أو ذلك البلد الذى نحيا فى كنفه، ونخضع لنظام سياسى اخترناه بإرادة حرة ليتولى شئوننا، كى نتفادى حجم السلبيات التى توسع فجوة المعاناة الناجمة عن اختلال ميزان العدالة.
هناك حقائق ثابتة على الأرض يقف الإعلام الرسمى حائرا بين الإنجاز والتشكيك فى معالجتها بوسائل احترافية ومهنية، ومنها القرار الصائب الذى أصر الرئيس السيسى بموجبه منذ عامين على إنهاء عمليات حفر القناة فى عام واحد، ثم إصراره عشية الاحتفال بالقناة الجديدة منذ سنة على شراء ماكينات الحفر لعمل أربعة أنفاق تربط سيناء بالوادى والدلتا، وليس إسنادهم لشركات عالمية رغم ارتفاع سعر الدولار، حيث كان وقتها (سبع جنيهات) وليس (13 جنيها)، وهو ما أدى إلى توفير أكثر من 42 مليار جنيه، أيضا لم يستعرض الإعلام بشقيه (العام والخاص) ما وراء التقارير العالمية التى توضح محاولات تعافى الاقتصاد المصرى فى ظل الحرب على الإرهاب وحرب البقاء والنماء، وعلى رأسها التقرير الخطير لمجموعة (انتيسا سان باولو الإيطالية)، وغيره من تقارير لمؤسسات اقتصادية دولية تتحدث عن فوائد قناة السويس وعوائدها بالأرقام، والتى بموجبها تم تصنف مصر فى المركز 19 عالميا من أصل 157 دولة.
لقد كان الرئيس صادقا مع نفسه ومع المصريين حين أعلن بوضوح - فى الثامن من شهر يونيو 2014 فور توليه الرئاسة - أن حجم التحديات التى تواجه الدولة المصرية كبير على كافة المستويات (سياسيا، اقتصاديا، أمنيا واجتماعيا)، وقبل أن يتعهد للشعب المصرى بالإنجاز، فى هذا التوقيت – أذكر : قبل 26 شهرا من الآن - صارح شعبه بحقيقة الإرث الثقيل وحجم التحديات والمشكلات التى أدت بالضرورة إلى حالات من التجريف السياسى، والتردى الاقتصادى والظلم الاجتماعى، فضلا عن غياب العدالة التى عانى منها المواطن المصرى لسنوات ممتدة.
وفى خطابه الأخير أكد أيضا على أن مواجهة تلك التحديات لا يأتى إلا بتضافر جهود المصريين جميعا واصطفافهم، وهو الذى اختار شعار "تحيا مصر" لحملته الانتخابية ليدلل على ضرورة إعلاء مصلحة الوطن فوق الأهواء أو المصالح الشخصية، وكان منذ اللحظة الأولى رئيسا يعمل بلا انقطاع وبأعلى درجات الإخلاص والتجرد، لكن الأغلبية الكاسحة من المواطنين الذين انتخبوه خذلته وواجهته بنوع من اللامبالاة وعدم إدراك قيمة العمل.
نعم تمادت الغالبية من المصريين وساعدها الإعلام فى حالة من الكسل المزمن، وألقوا بكل التبعات على شماعة الرئيس وحده، دون تقديم حلول فردية أو جماعية أو مجتمعية، يمكن أن توقف نزيف الاقتصاد الناجم عن زيادة حدة الفساد المستشرى فى الدواوين والأسواق والمؤسسات الحكومية، وتزامنا مع تصدعات الشارع والبيت والمدرسة والمسجد والكنيسة، فإن هؤلاء قد تفرغوا للثرثرة وتصدير وجهات نظر انفعالية ساذجة عبر الواقع الافتراضى، ما أدى بالضرورة إلى اتساع حجم المشكلات على أرض الواقع الحقيقى الأليم.
للأسف الشديد هنالك أصابع خفية تعبث بالمشهد الإعلامى المصرى مستغلة حالة الانقسام داخل المؤسسات الصحفية القومية على وجه الخصوص، للتشكيك فى الإنجاز الذى تحقق خلال سنتين ماضيتين، وهى حرب عبثية تهدف إلى تعمية المصريين عن حقائق النمو الذى تحقق، وهو ما حذر منه الرئيس السيسى مخاطبا الإعلام أكثر من مرة، ومن ثم فإننى أطالبه شخصيا بضرورة التدخل لإصدار تشريع عاجل ينهى حالة الارتباك التى تنذر بعواقب وخيمة، طالما ظلت قيادات بعض تلك المؤسسات تمارس نوعا من السادية فى التنكيل بكوادر مهنية قادرة على اعتدال المشهد برمته.