«تركيا هى منصة لمجموعات إسلامية فى الشرقين الأدنى والأوسط، بسبب دعمها للإخوان المسلمين فى مصر، و«حركة» حماس ومجموعات مسلحة إسلامية فى سوريا».. هذا كان رد وزارة الداخلية الألمانية على سؤال طرحه نواب فى «البوندستاج الألمانى» حول العلاقة التى تربط الحكومة التركية، ومجموعات إسلامية فى المنطقة، خاصةً مع تصاعد الاتهامات فى المنطقة لأنقرة بدعمها لتنظيم داعش الإرهابى.
الرد الألمانى جاء ضمن وثيقة تتناول العلاقات بين السلطات التركية ومجموعات إسلامية، وأدى تسريبها إلى توتر شديد بين برلين وأنقرة، حيث طالبت وزارة الخارجية التركية فى بيان الأربعاء الماضى «السلطات الألمانية بتفسيرات»، منددة بسياسة تعتمد «الكيل بمكيالين مصدرها بعض الأوساط السياسية» فى ألمانيا، فيما ردت الخارجية الألمانية على ذلك بقولها إنها «لا معلومات» لديها عن الموضوع، وأن الرد تم صوغه «من طريق الخطأ» من دون مشاركة وزارة الخارجية.
من المعروف أن ألمانيا تمتلك أجهزة أمنية من أقوى الأجهزة على مستوى العالم امتلاكًا للمعلومات حول الجماعات الإسلامية ليس فى الشرق الأوسط فقط، وإنما فى العالم كله، وحينما تتحدث الداخلية الألمانية عن تركيا بهذا الشكل فمعنى ذلك أن الأجهزة الألمانية وصلت إلى يقين بأن تركيا على صلة كاملة بكل التيارات المتطرفة فى المنطقة، وأن علاقتها بداعش تجاوزت فكرة الاتهامات الإعلامية المرسلة، وأصبحت واقعًا وحقيقة أثبتتها دولة لديها باع طويل فى التعامل مع التيارات الإسلامية خاصةً فى منطقة الشرق الأوسط.
تحدثنا كثيرًا فى الماضى عن الأدوار القذرة التى تقوم بها الحكومة التركية بتخطيط من رجب طيب أردوغان، فى تقديم الدعم المادى والعسكرى والإعلامى لجميع التنظيمات الإرهابية فى المنطقة، تحت ستار دعم المعارضة فى مواجهة الأنظمة التى لا تتوافق مع الهوى التركى، فدعموا داعش فى العراق وسوريا وليبيا، وجبهة النصرة فى سوريا، وجماعة الإخوان فى مصر، واستضافت تركيا على أراضيها العديد من القيادات الإرهابية، وحاولوا استغلال هذه الجماعات فى إبرام صفقة مع الاتحاد الأوروبى تحصل بمقتضاها تركيا على عضوية النادى الأوروبى مقابل وقف الهجرة غير الشرعية إلى الدول الأوروبية عبر الأراضى التركية، آخذًا فى الاعتبار أن مسؤولين أتراك متهمين بالتربح من عمليات الهجرة غير الشرعية.
وحاولت تركيا مرارًا نفى تهمة علاقتها ودعمها للجماعات الإرهابية، بل حاولت تصوير بعض هذه الجماعات على أنها ممثل شرعى للشعب، مثلما اعتبرت جبهة النصرة ممثلة للسوريين، والإخوان هم من يملكون الشرعية لحكم مصر، لكن جاءت لحظة الحقيقة، فألمانيا الحليف القوى لتركيا فضحت التصرفات التركية ودعمها غير المحدود للتنظيمات الإرهابية فى المنطقة، والأمر هنا لا يقتصر فقط على هذا الدعم، بل أن ألمانيا وفقًا لما نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية الأربعاء الماضى أبدت قلقها من سيطرة التوجهات التركية على المؤسسات الدينية الموجودة على الأراضى الألمانية، مشيرةً إلى أنه لسنوات ظلت ألمانيا تشجع المؤسسة الدينية التى تديرها الدولة التركية لتوفير الواعظين والمدرسين الإسلاميين للأقلية التركية الكبيرة فى ألمانيا، لكن الاضطراب الحاصل فى تركيا منذ محاولة الانقلاب الفاشلة جعل السلطات الألمانية قلقة حيال أن هذا الوعظ والإرشاد ليس روحيًا فقط، ولكنه يهدف إلى حشد الدعم والتأييد للرئيس التركى رجب طيب أرودغان، خاصةً بعدما نشرت رابطة المساجد التركية فى ألمانيا خطبة تمتدح «الدولة النبيلة» فى ثورتها ضد «شبكة رديئة»، وكان الخطاب موجهًا ضد أتباع رجل الدين التركى المقيم فى الولايات المتحدة فتح الله جولن الذى تتهمه الحكومة التركية بتدبير محاولة الانقلاب، واتهمت السلطات الألمانية رئاسة الشؤون الدينية فى أنقرة والتابعة لمكتب رئيس الوزراء التركى، بأنها من قامت بإرسال الخطبة التى تم توزيعها على المساجد التركية فى الداخل والخارج.
ما يحدث الآن يزيد القلق الدولى من التوجهات التركية الداعمة ليس فقط للإرهاب فى الشرق الأوسط، وإنما الساعية أيضًا للسيطرة على المسلمين فى أوربا، وتوجيههم لما فيه خدمة للنظام التركى، حتى وإن كان على حساب الإسلام.