فى الحصص المدرسية لعلم النفس كانوا يحكون لنا عن الثعلب الذى دخل حديقة فوجد عنبا حاول الوصول إليه لكنه لم يستطع، فنظر إلى العنب نظرة تقليل وقال «إنه عنب مر»، هذه الحكاية تنطبق تماما على كثير من طرقنا فى التفكير فبعضنا يعمدون للتقليل من جهود الآخرين ويسعون لتشويه أفكارهم دون أن يعرضوا هم لنا أفكارهم، بل إن الموضوع أكبر من ذلك فنحن العرب عادة لا نفكر فى العلماء والفلاسفة ورجال الاجتماع وبناء النهضة ولا حتى يمرون بأذهاننا أو يشغلون بالنا إلا فى حالة الضرورة.
وإذا أردنا أن نعرف مدى علاقتنا بالعلم ومدى وعينا وفهمنا له فعلينا أن نتابع جيدا الأزمة التى كان بطلها الدكتور يوسف زيدان والكاتب ياسين عدنان التى حدثت فى المغرب، وبعيدا عن أزمة التدخين التى انتبهنا إليها جميعا وأغفلنا الكلام الخطير الذى قاله يوسف زيدان الذى يوضح إلى أى درجة وصلنا فى رؤيتنا المتأخرة عن العلماء والسياق التاريخى الذى عاشوا فيه.
ولمن لا يعلم فإنه منذ أيام قليلة هاجم الكاتب يوسف زيدان، الفيلسوف الشهير «كانط»، أثناء مشاركته بلقاء فكرى بالمغرب على هامش مهرجان «ثويزا»، الذى أقيم بمدينة طنجة، وذلك أثناء تعليقه على العلاقة بين المعاصرة والتراث وما يتعلق بمسألة إغفال التراث فقال زيدان «يجب على المفكرين العرب ألا ينادوا بمثل هذه الدعوى، ويجب علينا التواصل مع التراث بشكل كبير، وأن نقوده لكى لا نترك المنتمين إلى التيار الإسلامى السياسى يتواصلون مع التراث فينالون الغرض»، وهذا كلام جيد يحسب للدكتور يوسف فمجتمعنا لن يعرف نفسه فى حالة انفصاله عن تراثه وتاريخه لأن كثيرا من مفاهيمنا لها سياقها الممتد، وتابع زيدان «من الضرورى نقد الفكر الغربى وألا نحيل إليه فى مداخلاتنا ومراجعتنا فآراء الفيلسوف الألمانى كانط بها الكثير من السذاجة، وعلى حد تعبيره يرى بها الكثير من العبط»، وتابع زيدان «ربما كان الفليسوف الألمانى عظيما، لكنه حينما يقرأ كتبه يصاب بنوبة من الضحك وهذا ما حدث فى كتاب مشروع «السلام الدائم» الذى يقرأه ويضحك»، وهنا تأتى المشكلة فقد أخرج «زيدان» كانط من سياقه التاريخى الذى كان يعيش فيه والذى توفى 1804، وحكم عليه بعد مرور هذه الفترة الزمنية التى تتجاوز الـ200 عام بغياب المعاصرة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة