مهما تكن درجة التشويه التى يرتكبها السياسيون فى هذا البلد على مر التاريخ، فإن هناك نقطة من الأمل مضيئة لا تخفت أبدا ولا تنضب، بل تزداد اشتعالا كلما جاءت الظروف الصعبة وما أكثرها فى هذه الأرض الموعودة، هذه النقطة المضيئة هم الشباب الحالمون القادرون على صنع دائرة من البهجة فى هذا الوطن، يحدث ذلك كل يوم وفى كل مكان فى مصر، نلاحظه فى أشياء كثيرة وفى لمحات بسيطة وتفاصيل مبثوثة فى الشارع المصرى، وبالأمس القريب شاهدت ذلك فى المتحف المصرى بالتحرير.
عندما خطوت داخل البهو العظيم للمتحف اقتربت منى فتاة وقدمت نفسها بأنها وزملاؤها يدرسون الإرشاد السياحى، وأنهم مستعدون بأن يصحبنى أحدهم ليرينى ويشرح لى ما يحتوى عليه المتحف، وأن ذلك طبعا سيكون مجانيا وكررت كلمة «مجانى» أكثر من مرة فى كل جملة قالتها، وطبعا وافقت، خاصة أن ابن أخى كان معى وهو فى الـ11 من عمره ومهما تكن معلوماتى فإنها لا تسعفنى فى إفادته بشىء تقريبا، سلمتنا الفتاة الأولى لفتاة أخرى ظلت معنا حتى انتهينا من رؤية كل شىء داخل هذا المتحف الكبير والمهم، كان تعاملها راقيا جدا، ومعلوماتها كثيرة وتعرف الفروق البسيطة بين الأشياء وتتوقف أمام ما يلفت انتباه الطفل وتسأله عن معلوماته عن الأشياء وتوضح له كل ما يريد معرفته، وفى النهاية وقفت لتقول لنا «أتمنى أن أكون قد استطعت أن أفيدكما.. ولم أفسد رحلتكما».
شعرت بعد خروجى من المتحف بالأمل فالطموح الذى كانت تشرح به طالبة الإرشاد السياحى لم ألحظ فيه أبدا أى ملمح لكساد السياحة فى مصر ولا للأزمة الاقتصادية الصارخة فى وجوهنا، كأنها لا تعلم شيئا من ذلك، شعرت بها وهى ترى نفسها تعمل فى شركة سياحة كبرى، وأنها تتولى الشرح لوفد أجنبى كبير قادم للاعتراف بعظمة المصريين القدماء، فهؤلاء الشباب أرواحهم ممتلئة بالرؤية الإيجابية لتاريخ بلدهم، نتمنى ألا يصبهم الوهن بعد خروجهم الحقيقى للحياة، وأن تعود السياحة مرة أخرى بالقدر الذى تستحقه مصر حتى يستطيع هؤلاء الشباب أن يحتفظوا بأحلامهم الندية عن الحياة والوطن.
لذا أشكر وزارة الآثار على أنها تسمح للطلبة بممارسة ذلك، وأتمنى من الدكتور خالد العنانى وزير الآثار أن يهتم بهم بما يقدر عليه، وأن يمنحهم على الأقل شهادة خبرة تؤكد تميزهم فى هذا العمل وقدرتهم على تقديم صورة حضارة لمصر.